فرح منصور

الأحد ٦ آب ٢٠٢٣ - 12:45

المصدر: المدن

الهيئة الاتهامية تستدعي سلامة: مذكرة توقيف وجاهية تنتظره؟!

لطالما صُوّبت الأنظار نحو القضاء اللبناني، القادر على قلب الموازين فجأة، وتغيير المسارات الرتيبة بشكل لافت. يعتقد اللبنانيون عن حق بأن الحاكم السابق للمصرف المركزي، رياض توفيق سلامة، لا يزال يحظى بثقل سياسي، بمثابة جدار اسمنتي عازل يحول بينه وبين “قرار” زجِّه خلف القضبان، إثر اتهامه بسلسلة طويلة من الجرائم المالية، محلياً ودولياً.

يظن المواطن اللبناني أيضاً، وفق ما شهد واختبر مرات ومرات، بأن السلطات القضائية عاجزة عن اتخاذ أي قرار “جريء” بحقه، كإصدار مذكرة توقيف وجاهية على سبيل المثال. ففي الفترة السابقة، خلق ملف سلامة القضائي، حالة من التوجس لدى بعض القضاة، فحاولوا تجنّب هذا الملف. المفارقة اليوم، أن المعارك القضائية قد اشتعلت في الأيام الماضية، وبدأ الصراع القضائي حول رغبة بعض القضاة بتوقيف سلامة وإصرار أبو سمرا على تركه رهن التحقيق وحسب.

فسخ القرار
نقطة البداية للخلاف المؤجج، كانت غرفة قاضي التحقيق الأول، القاضي شربل أبو سمرا. داخل هذه الغرفة، انبعثت رائحة الخلافات، بين رئيسة هيئة القضايا في وزارة العدل، القاضية هيلانا اسكندر وأبو سمرا، حول أسلوبه في التعاطي مع سلامة خلال استجوابه. “المدن” نشرت سابقاً، في تقرير مفصّل، بأن اسكندر غاضبة من “المحاباة” التي يظهرها أبو سمرا لسلامة خلال جلسات التحقيق. فما كان منها إلا الاستنجاد بالهيئة الاتهامية، لاستئناف قرار تركه رهن التحقيق.

نتيجة هذا الاستئناف، حُددت جلسة استجواب جديدة للمدعى عليه سلامة في التاسع من آب المقبل. اللافت في هذه الجلسة “الاستثنائية”، أن سلامة لن يدخل قصر عدل بيروت للتوجه نحو مكتب أبو سمرا، في الطابق الأول، كما اعتاد لأسابيع طويلة، بل ستكون وجهته الجديدة نحو الهيئة الاتهامية التي تطالبه للمرة الأولى بالمثول أمامها، حيث من المرجح أن تصدر مذكرة توقيف وجاهية بحقه بعد انتهاء جلسة استجوابه.

بالعودة إلى الثالث من آب، بعد انتهاء جلسات التحقيق مع سلامة أمام أبو سمرا، تقدّمت اسكندر باستئناف أمام الهيئة الاتهامية، اعترضت في متنه على قرار تركه رهن التحقيق، وطلبت توقيفه.

وعليه، قُبل الاستئناف، وقررت الهيئة الاتهامية في بيروت المناوبة المؤلفة من القضاة الرئيسة ميراي ملاك، المستشارين محمد شهاب وفاطمة ماجد، فسخ قرار أبو سمرا. ودعت المدعى عليه للحضور إلى قصر عدل بيروت يوم الأربعاء المقبل، للمثول أمامها، لتقرر بعدها تركه أو توقيفه (نص القرار).

في المضمون، جاء في الاستئناف اعتراض واضح على تعاطي أبو سمرا مع سلامة، الذي قرر تركه رهن التحقيق، متغاضياً عن مطلب اسكندر بالبت بمصير سلامة سريعاً، وعرض الملف على النيابة العامة لإبداء الرأي. ومفاد اعتراضها بأن ترك سلامة يعني تقديم الحرية الكاملة له، وإن عدم توقيفه بالرغم من جميع الأدلة التي صارت بعهدة القضاء اللبناني، والتي قد تكون كافية لتثبت عملية الاختلاس من أموال المصرف المركزي، كان أمراً يستدعي التدخل. علماً أن المادة 107 من أصول محاكمات جزائية، أجازت للمدعى عليه توقيفه في حال توافرت هذه الادلة، غير أن قناعة أبو سمرا تصب في مكان آخر.

جاء قبول الاستئناف، استناداً إلى أن إعطاء سلامة الحق بالحرية والتنقل كيفما شاء من دون توقيفه، يعني السماح له بحرية التواصل مع أعوانه في هذه الجرائم المالية، حيث من الممكن أن يمارس الحاكم السابق نفوذه وسلطته على الشهود، عن طريق ممارسة الترهيب والإكراه لمنعهم من تقديم إفادتهم كما يفترض. على هذا الأساس، قُبل الاستئناف شكلاً وأساساً، وفُسخ قرار أبو سمرا.

توقيف سلامة؟
داخل قصر عدل بيروت، رجحت المصادر القضائية المتابعة بأن الهيئة الاتهامية قد تصدر مذكرة توقيف وجاهية بحق سلامة في التاسع من آب، بعد مثوله أمامها. هذا معناه، بأن سلامة قد جُرد من امتيازاته القضائية ومن الغطاء السياسي، وسيوضع خلف القضبان، حتى صدور القرار الظني.

لكن، الجدير بالذكر، بأن العطلة القضائية من شأنها تغيير هذا المسار بشكل عكسي، فالهيئة الإتهامية التي فسخت قرار أبو سمرا، المؤلفة من القضاة ميراي ملاك (رئيسة)، محمد شهاب (مستشار)، فاطمة ماجد (مستشار)، ستتبدّل مطلع الأسبوع المقبل. يعني هذا، أن سلامة سيمثل أمام قاض آخر. لذلك، لا تُخفي المصادر القضائية احتمال تغيّب سلامة عن موعد الجلسة. فمن المتوقع بأن يمتنع سلامة عن الحضور، خصوصاً بعدما جرى التداول باحتمال توقيفه.

إذن، من المتوقع أن القاضي سامي صدقي هو الذي سيتابع هذه الجلسة، وفقاً لجدول المناوبات في العطلة القضائية. وبالتالي، من الممكن أن يرفض صدقي توقيف سلامة ويكتفي باستجوابه.

الخيارات مفتوحة. وحدها جلسة الأربعاء ستكون كفيلة بالكشف على مسار سلامة المقبل. قد تنقلب الأمور، ويمثل سلامة أمام الهيئة الاتهامية وتصدر مذكرة توقيف وجاهية بحقه، ويقضي أيامه خلف القضبان. وقد يتغيب عن الجلسة أو يمتنع صدقي عن توقيفه.

في الوقت نفسه، من البديهي القول بأن المسار المتوقع، هو تغيب سلامة عن موعد الجلسة. فثمة ما يكفي من مؤشرات تؤكد بأن “حصانة” سلامة السياسية صلبة ومتينة، ولم تتقلّص بعد، وقادرة على حمايته من التوقيف. لذلك قد نشهد بعض العراقيل خلال الأيام المقبلة ومحاولات فاضحة لحماية حاكم مصرف لبنان السابق، المطلوب دولياً. ويعود المواطن اللبناني إلى قناعته السلبية تجاه الجسم القضائي والعدالة في لبنان.

المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها