play icon pause icon
منى فياض

منى فياض

الأثنين ٢٥ آذار ٢٠٢٤ - 09:18

المصدر: صوت لبنان

انت لست رقماً توقيع هادي سي غاليري صالح بركات

 

دعاني الزميل يقظان التقي للمشاركة في برنامجه الماغازين السياسي، إذاعة الشرق، الأسبوع الماضي. وبعد مضي بعض الوقت، أطلّ ضيفاً جديداً. رجل يبدو كمناضل عتيق، بملابسه غير الرسمية وشعره الفوضوي. عرّفه الفنان هادي سي، يعرض انتاجه الجديد: “لعبة الأرقام” في غاليري صالح بركات في كليمنصو.
وعندما تصفح الكاتالوغ، فوجئت، ان هذه الأعمال الملفتة استوقفتني قبل يوم واحد امام الغاليري المذكور، دون إستئذان. ولارتباطي بموعد، وعدت نفسي بالعودة لزيارة مطولة.
وأن تُعرض مثل هذه الأعمال، لفنان لبناني عالمي، في بيروت أولاً، فهي أفضل هدية للبنانيين في غمار هذا البؤس المخيم.
هادي سي المولود والمترعرع في بيروت، من أم لبنانية، مع ذلك تنزع عنه صفة لبناني، يحمل فقط الجنسيتين الفرنسية – والسنغالية.
هو مصور ورسام ونحات وفي الميكسيد ميديا، ومناضل اجتماعي وسياسي، تقدمي وإنسانوي يناهض جميع اشكال العنف والتمييز والعنصرية والاستغلال وتجريد الشخص من انسانيته. كما انه حالم وجودي.
يطبع الالتزام، بكل ما هو انساني وعادل، اعماله الفنية، مع اتفاقي معه ان لا إمكان لتحقيق العدالة على وجه الأرض. انه مجرد توق للفكرة.
هو احجية تشبه المعضلة. يحمل الكثير من الامتعة، على امتداد قامته. يحمل أحلامه المستحيلة ويصرّ على جعلها وسيلة لتغيير الواقع او على الأقل للتأثير فيه.
التقط أن مسيرة التاريخ، بناء الامبراطوريات على الدماء والثروة والمعدن الصلب. فطوّع حديد السلاح، وجعله أداة لفنه، وسلاحه ضد إراقة الدماء واستبداد المال.

في لعبة الأرقام التي يعرضها، حوّل الأرقام الى شخوص، وبرهن كم هو حاضر كشخص مفرد، وكنموذج للانفتاح وتعدد الهويات المتكاثرة واللامتناهة.

أعماله كالحديد الذي يستخدمه. صلبة وقوية وثابتة. لكنها أيضاً، طيعة ولينة ورهيفة. تتخذ اشكالاً لامتناهية كأنها حركات راقص، لتعبر عن أعمق الافكار.
نفس المنحوتة، تبدو ثقيلة وراسخة في موضعها بمعدنها واشكالها الهندسية؛ لكنك عندما تلتف حولها ترقّ أمامك وتنساب وتتحول مع تشكيلاتها الدائرية الى انحناءات ذات طابع انثوي تغلب عليها الحسية.
يتنقل بين الاساطير القديمة وعوالم الآلهة وشعر الهايكو والاديان، مرورا بالمعاناة الإنسانية والاشكالات الاجتماعية وصولا الى العالم الرقمي المرتكز على الرياضيات وتتالي الرقمين (0 و1)، فيتبنّاهما كحجر الأساس للعبته.
يفضح هادي سي تحويل الانسان الى رقم. القتلى في غزة ارقام، يستسهل الممانعون استبدالهم من بطون الأمهات الحبالى. يشيع نفي تفردهم وامتلاكهم لوجه وسيرة، مشاعر وأحاسيس او حكايات حب او عذابات. لا ماض، وحاضرهم انغلق على المستقبل.
ارقام، كاللاجئين وقتلاهم في البحار، وضحايا كوارث الحروب كما الطبيعة، والجوعى والمرضى في المستشفيات او ضحايا كوفيد …
لكنه في لعبة الأرقام قلب المعادلة، فأنسن الرقم وحوّله الى بشر.

الين \ واليانغ حاضران بقوة. لا يكتمل التوازن الا في ثنائية انثى \ ذكر. لكن سي يميل الى تغليب العنصر الانثوي. فالأشكال الانثوية حاضرة دائماً كتشكيل وكرمز بشكل متناغم. بدءاً بالجدة التي تبدو دانتيلا لقصيدة حب وجمال صاف؛ الى وجوه راي، التي بدت كسينوغرام صيني، تتعدد وتتغير بتعداد انفعالاتها،
أما انفجار بيروت، فيحكي أن حبيبته أصيبت واتصلت به، نظر الى الساعة فكانت السادسة و9 دقائق 609. فاشتغل على الانفجار بواسطة الوقت. جعل من الرقم 609، رمز الانثى بيروت، متضمناً الرقم 8 شهر آب، والرمز للمرأة التي تحمل جنينا، ثم تتحول مع استدارتنا حولها من امرأة ثخينة الى نحيلة ورقيقة، رزانتها تحمل الخفة بين جوانحها، منسابة وحسية ومغوية.
اثر كارثة 11 ايلول 2001، ترك الفن الفوتغرافي للفاشن، وانتقل الى مواضيعه النضالية.
ضد العنصرية ومع الوحدة والسلام، وضد تحكم المال.
لن يغني تعليق من 5 دقائق للتعريف على أعمال هادي سي، من الأفضل زيارة معرضه في غاليري صالح بركات.

المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها