خضر حسان

الجمعة ٣٠ حزيران ٢٠٢٣ - 18:24

المصدر: المدن

بحيرة المسيلحة المثقوبة تحتاج خمسة ملايين دولار: الفساد متواصل

ارتأى الوزير السابق جبران باسيل، أن بناء سلسلة سدود هو الحلّ السحري لأزمة نقص المياه في الكثير من المناطق. اصطدم المشروع بواقع طبيعة الصخور اللبنانية التي تُسرِّب المياه السطحية إلى جوف الأرض. ومع ذلك، استمرّت السياسة نفسها. وعِوَضَ وقف التجارب المرافقة لهدر المال العام، تبحث وزارة الطاقة عن حلول “ترقيعية” تريد بها تغيير الطبيعة. واليوم يجري البحث عن “ما بين 4 إلى 5 مليون دولار” لإتمام أعمال الصيانة في بحيرة المسيلحة، وفق ما أكّده لـ”المدن”، وزير الطاقة وليد فيّاض.

الإصرار على استكمال المشروع
بهدف تجربتها، امتلأت بحيرة سد المسيلحة في العام 2020، بنحو 2 مليون متر مكعب من المياه، وهي تمثّل ثلث سِعَتها التخزينية. وكان من المفترض أن ينتهي العمل بالمشروع في نهاية العام نفسه، وفق وزيرة الطاقة السابقة ندى البستاني، التي عادت ومدّدت المهلة الزمنية إلى “ما بين سنة وسنتين لإنهاء كافة الأعمال الإضافية المتبقّية”. وعدم الركون إلى فترة زمنية واضحة ونهائية، يعود إلى استمرار تهريب المياه من أرض البحيرة.
وتمديد العمل في المشروع وصولاً إلى منتصف العام 2023، من دون أن تضع الوزارة موعداً نهائياً، يعني أن كل الاحتمالات مفتوحة، بما فيها تأبيد فترة إنجاز المشروع. ومع ذلك، يقول فيّاض أن “هذا مشروع استراتيجي على مستوى حاجة المنطقة للمياه. فالمياه ستتوفّر بكميات كبيرة وبكلفة أقل، ويستفاد منه على المستوى السياحي والبيئي”.
ولأنه “حاجة استراتيجية”، تنتظر الوزارة “تقرير الاستشاري الفني حول كلفة معالجة مكامن تهريب المياه في السد، لنضمن أن التهريب لا يزيد عن المعدلات المقبولة عالمياً، وهي بين 6 أو 7 آلاف متر مكعب يومياً، من ضمنها التبخُّر”. ولتحقيق هذه النتيجة، طلبت الوزارة من الاستشاري “الالتزام بهذا المستوى من التهريب”. وبالتزام الاستشاري بتعهداته، والتزام الوزارة بتأمين متطلّبات أعمال الصيانة، لا يبقى سوى التمويل “ونحن نبحث عن مصادر للتمويل، لأن الوزارة لا تملك المال”.
علماً، أن الاستشاري في هذا المشروع، أي شركة Liban Consult، هي نفسها التي قدّمت الدراسات حول كَون طبيعة الأرض والصخور مناسبة لمشروع السد والبحيرة. واليوم ستقدّم تقريراً حول كيفية معالجة الخلل في تلك الأرض.

تمويل الفساد
السد الذي يفترض أن يحبس خلفه 6 مليون متر مكعب من المياه التي ستؤمِّن حاجات الشرب والخدمات لقرى في منطقتيّ البترون والكورة، لم يتمكّن في العام 2020 من حبس ثلث تلك الكمية لأكثر من 20 يوماً. تذرّعت حينها وزارة الطاقة بأنه جرى إفراغ البحيرة عبر ريّ الأراضي الزراعية بالمياه. علماً أن تلك الأراضي لم تكن بحاجة للري أثناء فترة التجربة التي جرت في كانون الثاني. ليتأكَّد بعدها أن الإفراغ تم بشكل طبيعي عبر الأرض، وأعترفت الوزارة بذلك بشكل غير علني، عبر إقرارها بوجود شوائب تستوجب الصيانة. لكن تخفيف وطأة الأزمة بتصوير الخلل البنيوي على أنه شوائب تحتاج إلى الصيانة، أمر غير بريء، خصوصاً وأن “مشاريع السدود الأخرى في أكثر من منطقة، منها في بلعا وبقعاتا كنعان، أثبتت فشلها في حبس المياه، على غرار سد المسيلحة. ومع ذلك تستكمل الوزارة المشاريع”، وفق ما يقوله لـ”المدن”، الخبير الهيدروجيولوجي، سمير زعاطيطي الذي يجزم أن إصلاح الخلل في بحيرة المسيلحة وغيرها، لن يتم، لأن إسقاط المزيد من الإسمنت في الأرض، لن يؤدّي إلى تغيير طبيعتها. وكل ما يحصل من عمليات تحت شعار الإصلاح “هو استمرار لتدمير البيئة وتفليس الدولة”. وعليه، فإن بحث الوزارة مرّة جديدة عن تمويل إضافي لمشروع مجرَّب، هو بحث عن “تمويل للفساد”.

من ناحية أخرى، فإن مصادر التمويل غير مبهمة، وهي ترتبط بنوع المعالجة المطلوبة. وهنا، جرى تداول حلّ سريع يقضي بـ”تغليف أرض البحيرة بلفائف من النيلون بسماكة 1 سنتم، وبكلفة إجمالية تصل إلى 3.7 مليون دولار”. وهذا الحل يحاكي البرك الاصطناعية التي يستحدثها المزارعون لري أراضيهم، والتي تساهم بعض المنظمات الدولية في تمويلها. إلاّ أن فيّاض نفى اعتماد الوزارة لهذا الحل “لأنه مكلف جداً”.
ومع ذلك، لا يستبعد زعاطيطي ذهاب الوزارة نحو منظمات ومؤسسات دولية مثل الوكالة الأميركية للتنمية USAID أو البنك الدولي، لتمويل المشروع. فحسب زعاطيطي، تتكامل أهداف المموِّلين مع أهداف الوزارة في “الإيحاء بأن المياه السطحية هي الحل لأزمة لبنان، وأن المياه الجوفية تذهب هدراً. في حين تستفيد إسرائيل من مياهنا الجوفية التي تتسرَّب من الجليل الأعلى، أي من لبنان، إلى الجليل الأدنى في فلسطين”.
ومع ذلك، فإن تجربة الـUSAID في ملف البرك، غير مشجّعة. فيشير زعاطيطي إلى ان الوكالة “موَّلَت إنشاء بركة في بلدة رميش الجنوبية بتكلفة 400 ألف دولار، ولم تنجح. في حين أنه تم حفر 4 آبار في المنطقة نفسها، كانت كافية لإغراق المنطقة بالمياه. والبنك الدولي يعمل في الإطار نفسه. فهو موَّل سد بسري”، رغم التأكيدات العلمية بأن الأرض غير ملائمة للسدود، ورغم المجازر البيئية التي ارتكبت في المرج الذي كان سيغرقه السد. وابتعاد الوزارة عن استثمار المياه الجوفية، أكّدته البستاني عبر وصفها الآبار بـ”المصادر المكمِّلة (للسدود)”، وتركتها خياراً جانبياً “يمكن اللجوء إليها حين تدعو الحاجة”.
تنتظر وزارة الطاقة الترتيبات الفنية لتعلن حاجتها لما بين 4 إلى 5 مليون دولار لمعالجة تركيبة طبيعية تراها “خللاً”. هذه الأموال لن تقدّمها جمعيات خيرية، بل على الأرجح ستكون قرضاً جديداً يستحيل على لبنان سداده. ومع ذلك، لن يُبصر مشروع المسيلحة وأخواته النور بشكل رسمي.

المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها