فرح منصور

السبت ٨ تموز ٢٠٢٣ - 15:23

المصدر: المدن

بعد الفرنسيين: استنابة قضائية ألمانية لنبش أسرار سلامة و”حساباته”

تنحصر اهتمامات القضاء الألماني فيما يتعلق بقضية حاكم مصرف لبنان، رياض سلامة، في مكان محدد دون غيره، وهو “المصرف المركزي”. وآخر مطالبه، هو الكشف على حسابات الحاكم في مصرف لبنان.

استنابة ألمانية
منذ بداية التحقيقات الأوروبية في لبنان، وجلسات الاستجواب تدور في فلك المصرف المركزي، ولا نبالغ بالقول أن من مثلوا أمام القضاء الأوروبي، كشهود ومشتبه بهم، طُلب منهم من دون استثناء، تقديم كل المعلومات التي يعرفونها عن المصرف المركزي.

يسعى القضاء الأوروبي للوصول إلى الهندسات المالية والسياسة النقدية التي اعتمدها الحاكم داخل المصرف، ومن ثم طبيعة عمل مصرف لبنان مع باقي المصارف، إضافة إلى اكتشاف “صفقات” الحاكم التي جرت بسرية في الداخل، وأساليب تحويل وتمرير الأموال من لبنان إلى الخارج.

وما يجب ألا ننساه، هو تركيز القضاء الأوروبي على الاستماع لكل مدقق مالي تعامل مع المصرف المركزي، وعلى رأسهم أنطوان غلام، صاحب شركة “سمعان وغلام وشركاهم”، والتي أوكل إليها التدقيق في حسابات مصرف لبنان منذ عام 2000.

في المقابل، ما يستحق أن نذكره جيداً، حالة الرعب التي أصابت غلام أمام الوفود الأوروبية آنذاك، وصوته المرتجف الذي لم ينطق سوى كلمات محددة وهي: “لا أعلم، لا أعرف..”. والتي قد تكون دليلاً واضحاً على معرفته بالتحويلات المالية التي حصلت داخل المصرف المركزي. إضافة إلى جلسة استجواب يوسف الخليل، وزير المالية، والذي كان مدير العمليات المالية في مصرف لبنان، والذي تهرب من جلسة الاستجواب مراراً، قبل أن يُجبر على الحضور ويكتفي بالقول: “لا أعرف، لقد نسيت”.

في الواقع، تمكنت الوفود الأوروبية من تجميع كامل المعلومات التي توصلت إليها خلال الأشهر الماضية، للوصول إلى الحلقة الأخيرة، حين ستعلن عن طرق تحويل الأموال المختلسة من لبنان إلى أوروبا، ومن ثم تبييضها. حينها، سيفضح المستور وسيدين القضاء الأوروبي كامل أفراد العصابة.

التدقيق في الحسابات “الوهمية”
من مصرف لبنان، هذا المكان تحديداً هو نقطة البداية منذ حوالى من 3 عقود، وفي دهاليزه بدأت ألاعيب الحاكم. فهو بيت الأسرار، الذي يضم الكثير من الخبايا والجرائم المالية.

في الحقيقة، يدرك القضاء الأوروبي أن الاختلاس بدأ من المصرف المركزي، لذلك ركز اهتماماته في الفترة الأخيرة لاكتشاف خبايا هذا المنجم.

يوم الخميس، 6 حزيران، حُوّلت استنابة قضائية ألمانية للقاضي شربل أبو سمرا، ومضمونها أن القضاء الألماني يُطالب القضاء اللبناني بالتدقيق في حسابات رياض سلامة داخل المصرف المركزي، وبالتدقيق في الحسابات التي قد تكون “وهمية” أو مسجلة بأسماء أخرى استعان بها الحاكم لتمرير الأموال.

ليست المرة الأولى التي يطلب فيها القضاء الأوروبي التدقيق في حسابات مصرفية، بل لطالما كرّس اهتماماته في مراقبة العديد من الحسابات المصرفية التي تعود لندي سلامة، ابن الحاكم، ورجا سلامة، شقيق الحاكم. ولطالما جرى الكشف على الأموال الموجودة داخل حسابات عائلة سلامة في أوروبا.

منجم الأسرار
ببساطة، القضاء الأوروبي يملك ما يكفي من المعطيات، بعد أشهر طويلة من التحقيقات الموسعة والاستجوابات الطويلة، التي ترجح بأن الحاكم استخدم الحسابات “الوهمية” كي تكون واجهة لتمرير الأموال، وسخّر الكثير من الموظفين ليكونوا واجهة للعمليات المالية التي جرت داخل المصرف. ومهمة القضاء الألماني اليوم، إن وافق القضاء اللبناني على طلبه، وهو الأمر المستبعد حالياً، هو اكتشاف هذه الحسابات، ومعرفة أصحابها، والتعرف على الأرقام الموجودة داخل حسابات الحاكم.

والجدير بالذكر، أن القضاء اللبناني قادر على تنفيذ مضمون هذه الاستنابة، فلا حائل قانوني يمنعه من الاستجابة لهذا المطلب، فهو يتمتع بكامل السلطة التقديرية لاتخاذ الموقف الذي يراه مناسباً لتقييم المطلب الوارد إليه. والسؤال البديهي هل سينفذ القاضي أبو سمرا هذه الاستنابة؟ أو بمعنى أدق: هل سيوافق على التدقيق في حسابات الحاكم داخل المصرف المركزي؟

عملياً، ترجح بعض المصادر المتابعة لقضية الحاكم، بأن هذه الاستنابة لن تنفذ، وسيُبرر للقضاء الألماني أسباب عدم التنفيذ، على سبيل المثال وليس الحصر أن التدقيق بحاجة إلى موافقة المراجع المختصة، وأن هذا المطلب يتخذ مساراً طويلاً لتنفيذه.

في الخلاصة، لا بد أن ينفجر منجم الأسرار في يوم ما. والمؤكد منه، أنه حتى ذاك الوقت، ستبقى المنظومة الحاكمة تدافع بشراسة عن الحاكم حتى انتهاء ولايته، وستدفن أي تدقيق يطال المصرف المركزي، وستمنع أي قضاء أوروبي من فضح دهاليز هذا المصرف، تماماَ كما أخفى وزير المالية، يوسف الخليل، التدقيق الجنائي في ميزانيات المصرف المركزي.

المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها