الياس الزغبي

الثلاثاء ٨ آب ٢٠٢٣ - 12:30

المصدر: صوت لبنان

بقايا أوراق صفراء في أيلول

لم تكد فرحة “ح ز ب ا ل لّه ” تصل إلى قرعته، بعد اتفاق بكين بين الرياض وطهران، وبعد اندفاعة باريس في دعم مرشحه “الممانع”، حتى حطّت قدماه على أرض الواقع، فاكتشف أن ما نسجه من رهان على انتصار إيران ونجاح فرنسا في فرض تصورها على “الخماسية” كان مجرد سراب خادع وغبار في الريح.
وها هو اليوم يعبّر عن صدمته، وعن مأزقه السياسي الرئاسي، بالعودة إلى تحشيد بيئته لمواجهة ما يعتبره “حرباً كونية” عليه.
لكنَه وسّع بيكار هذه “المؤامرة” والحرب الكونية الجديدة ، وبدأ يتحدث عن حصار على “الشيعة”، و”حرب إلغاء” تستهدفهم، كي يستثير عطفاً مذهبياً طائفياً من جهة، ويستجدي احتضاناً متجدداً لسلاحه من بعض الشرائح المنحرفة عن بيئاتها، من جهة ثانية.
ولا يخفى أنه راهن خلال الأشهر الأخيرة على فوز إيران باليد العليا في اتفاق بكين، لكنّه أغفل، عن قصد أو جهل، بنداً محورياً في هذا الاتفاق ينص على “وقف التدخل في شؤون الدول”، ما يعني بوضوح ضبط تغلغل النفوذ الإيراني في اليمن والعراق وسوريا ولبنان، على الأقل.
ولمّا تبيّن أن طهران تلتزم ما يناسبها من الاتفاق وتُهمل ما يتوجب عليها، تعثر ذاك “التفاهم”، من جمود ترتيبات اليمن، إلى الطمع في حقل الدرّة السعودي الكويتي، إلى استمرار تنفيذ مشروع التوسّع السياسي والميداني، وصولاً إلى “حرب مخيمات” جديدة في لبنان، لضرب أي وجود فلسطيني خارج منظومة “الممانعة”، بدءاً من حركة “فتح” ومنظمة التحرير بمعناهما العربي الاعتدالي السلمي.
وليس القرار السعودي والخليجي بتنبيه الرعايا من الأخطار الأمنيّة في لبنان سوى نتيجة لبلوغ المخطط الإيراني الانقلابي على التفاهمات والتوازنات مرحلة متقدمة من التنفيذ، ولا يشكّل الهدوء الهش في مخيم عن الحلوة سوى وقت مستقطع منه.
وفي هذا السياق، لا يقع استغراب أو استهجان البيان السعودي للرعايا، في موقعه الصحيح، لأنه لم يكن مرتجلاً وإبن ساعته، بل نتيجة تراكمات سلبية شديدة الوطأة على كل المشهد السياسي والميداني الإقليمي.
أمّا الترويج الذي تحرّكه الآلة الدعائية الإيرانية، عبر “ح ز ب ا ل لّ ه”، عن الضغط الأميركي و”الخماسي” والعقوبات، فلا يغيّر شيئاً من حقيقة هذا الانقلاب وخطورته.
وقد فوجئت طهران وأذرعها بصلابة الموقف السعودي، بعدما كانت تعتقد أن الرياض تطلب الهدوء اليمني بأي ثمن، ولو كان المزيد من تمدد “محور الممانعة” في لبنان وسوريا والعراق.
وأسوأ ما في الرهانات الإيرانية كان الرهان على عزل لبنان عن حلقات الحلول في المنطقة، وتسييبه لسيطرة “الحزب” المطلقة.
وقد بدأ الآن العد العكسي لاستحقاق أيلول وعودة الوسيط الفرنسي جان إيڤ لو دريان إلى بيروت، وبين أيدي “الثنائي الشيعي”أوراق صفراء جافة، بل يصح القول إن “الثنائي” بات صفر اليدين.
ولا شك أن طرف أيلول سيكون بالتحوّل مبلول.
ولا بد من الانتظار الثقيل لترسيم الحلول.

المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها