مصطفى فحص

الأحد ٢٣ كانون الثاني ٢٠٢٢ - 09:25

المصدر: الحرة

بوتين على حافة الخديعة

عسكريا، ومقارنة بموازين القوة بين روسيا وأوكرانيا، يمكن للجيش الروسي التوغل عميقا في الأراضي الأوكرانية ويقتطع مساحات كبيرة للوصول إلى  مشارف كييف، فآلة الحرب الروسية لم تزل هي الأضخم في أوروبا بالرغم من نهاية الحرب الباردة. ولكن هل الانتصار العسكري الحاسم على الأوكران سيتحول إلى انتصار سياسي في أوكرانيا وخارجها؟ والسؤال الأهم ما الذي حققته روسيا إلى اليوم من انتصارها العسكري الحاسم في سوريا؟! 

يقف نظام الرئيس الروسي على حافة الخديعة، ولكنها خديعة متعددة، فهو أولا يريد حسم الوضع الداخلي وحفظ هيبة نظامه وضمان استمراره، خصوصا أن انتخابات 2024 على الأبواب، وهي وإن كانت نتائجها شبه محسومة، ستأتي هذه المرة دون إنجاز وطني إذا لم يستطع الكرملين حل الأزمة الأوكرانية، لذلك هو يستعرض قواه في الخارج من أجل إرضاء الداخل وترهيبه أيضا، وخديعة داخلية أيضا تستهدف صراعات مراكز القوى داخل مؤسسات النظام خصوصا الأطراف التي قد تطرح أو تفكر يوما ما بالبديل في حال وصل الوضع في أوكرانيا وغيرها من الملفات الخارجية الحساسة إلى طريق مسدود، لكن السؤال الأهم هل غرور النظام الروسي وجبروته حجب عنه التفكير بخديعة خارجية قد يقع فيها؟!

فعليا يقف بوتين ونظامه على حافة الخديعة، ويتصرف هذه المرة مجبرا على استخدام عضلاته لا عقله، وهذا ما قد يجره للوقوع بالخديعة. فمما لا شك فيه أن الولايات المتحدة تتجنب الحرب، وأوروبا ترفضها تماما، خصوصا إذا كانت على أراضيها. ولكن ما نشهده من رد فعل أميركي على طلبات روسيا القاسية، هل هو تردد غربي في المواجهة أم أنها برودة ومراوغة متعمدة ستدفع موسكو إلى الخديعة. فقد بات من المستحيل عودة حلف الناتو إلى حدود 1997 ولا تستطيع روسيا إجباره على هذا التراجع. وهذا يعني أن موسكو لا تخطط فقط لاستعادة فضائها السوفياتي بل استعادة مجالها الحيوي، أي العودة إلى حدود حلف وارسو، خصوصا عندما تطالب الناتو بالانسحاب من رومانيا وبلغاريا، وهذا ما يفتح القلق الأوروبي الاستراتيجي بأن أي توغل عسكري في أوكرانيا من الممكن أن يمتد إلى دول البلطيق، خصوصا أن روسيا تملك ذرائع حماية الأقليات الروسية “المضطهدة” في تلك البلدان.

في السنوات السابقة، امتلك فلاديمير بوتين ثلاث أوراق قوة فرضت حضورها على المسرح الدولي، الأولى طائراته في سوريا والثانية دباباته في القرم ودونباس، والثالثة باراك أوباما في البيت الأبيض وحتى إدارة ترمب، حيث حاول الأول ممارسة انكفاء أميركي عن الساحة العالمية، فيما الثاني تجنب مواجهة صديقه بوتين، ما سمح لموسكو بالتحرك إلى ملء الفراغ العالمي بفضل غياب مشروع أميركي واضح يتعلق بعلاقة واشنطن مع حلفائها التقليديين وخصومها التاريخيين، ولكن هل يعتقد بوتين أن هذه الإدارة لا تختلف عن سابقاتها؟ هنا قد تكمن الخديعة. 

أزمة موسكو أنها هي من خدعت نفسها، ورفعت سقف مطالبها وصعدت تحركاتها، وراهنت على ترهيب الأوكرانيين ودفعهم إلى الانقسام الداخلي، لكنها لم تلتفت إلى أن الصراع بات وطنيا، وأنها تمثل لأغلبية الأوكران دولة غازية. وراهنت أيضا على ترهيب الأوروبيين المنشغلين بالهّموم الداخلية وخصوصا الاقتصادية، ولكنها صدمت أن الليونة الأوروبية ستنتهي وتتحول إلى قسوة لحظة الطلقة الأولى.

فأوروبا ليست مستعدة لأن تتحمل أعباء مغامرة جديدة كما فعل أدولف هتلر بكل القارة، أو كما فرض ستالين والسوفيات على نصفها، وهذا لم يعد في الحاله الأوكرانية مسؤوليتهم وحدهم بل مسؤولية شريكهم الأكبر الولايات المتحدة، لذلك يمكن القول أن فلاديمير بوتين على حافة الخديعة.

المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها