مصطفى فحص

الثلاثاء ٢٧ أيلول ٢٠٢٢ - 07:49

المصدر: الحرة

بوتين… معركة رد الاعتبار

يحاول الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، بشتى السبل استعادة زمام المبادرة، ولجأ سريعا بعد هزيمة جيشه القاسية في منطقة خاركوف إلى الدعوة للتعبئة الجزئية، وأفسح المجال أمام المرتزقة الأجانب في الالتحاق بجبهات القتال، وسن قانون يمنحهم الجنسية الروسية، ومع بروز التردد الشعبي في تلبية رغبات بوتين القتالية دخل رأس الكنيسة الروسية، البطريرك كيريل، إلى جانب بويتن وأعلن الحرب المقدسة معتبرا أن من يُقتل في الحرب الأوكرانية ستغفر ذنوبه وسيدخل الجنة، ومع ذلك يبدو أن أغلب المواطنين الروس يستجيبون مرغمين لقرارات رئيسهم، الذي اتخذ تدابير عقابية تصل إلى 15 سنة سجن لكل من يتخلف عن أداء واجبه.

المشكلة أن بوتين المتعجل في تحشيد قواته مجددا على الجبهة الأوكرانية يتخوف من تقدم أوكراني جديد على جبهة إقليم دونباس، وهذا ما قد يؤدي إلى فشل ذريع لمشروع الغزو، ولكن حتى قرار التعبئة الجزئية الذي يطال 300 ألف شاب قد لا يغير المعادلة لأن أغلبهم غير مدربين لخوض المعارك، وقد خضعوا سابقا لتدريبات عسكرية محدودة لا تؤهلهم لهكذا مواجهة، لكن بوتين يستعجل التحرك بعدما تركت هزيمته الأخيرة تداعيات خطيرة على الداخل الروسي خصوصا داخل المعسكر المؤيد للحرب، الذي شكل غطاء نخبويا وشعبيا لقراراته، فقد انخرط التيار القومي المعادي للغرب في هذه المعركة باعتبارها فرصة حقيقة للانتصار على أعداء روسيا، لكنه الآن مصاب بخيبة أمل وغير قادر على تقبل الهزيمة، ولا يمكنه التراجع، وهو مدعوم من مجموعة السيلافيكي (مراكز القوة الأمنية والعسكرية)، والأخطر أنه يصعب السيطرة عليه بحال تعرضت روسيا إلى هزيمة جديدة أو بحال فشل الكرملين في تحقيق الأهداف التي كان يراهن عليها. ما يعني أن معسكر الكرملين مهدد بانقسامات داخلية تفرض على سيده اتخاذ قرارات ترضي توجهات داعميه.

لذلك وتجنبا لتفكك الجبهة الداخلية أو انقلابها عليه، وتجاوزا لأي هزيمة عسكرية جديدة أو اخفاق في الميدان يؤجج الشارع المعادي للحرب من جهة ويثير الشارع المؤيد من جهة أخرى، وضع الرئيس الروسي يده على الزناد النووي، ولوح بإمكانية قيامه بضربة نووية تكتيكية، إذا تعرضت بلاده لخطر وجودي أو هجوم خارجي، ولكي يوسع نطاق الردع قرر توسيع حدود بلاده، لذلك لجأ إلى استفتاء مستعجل في إقليم دونباس، لكي يعلن ضمه رسميا إلى روسيا الاتحادية، وتصبح معه الحرب التي يخوضها الجيش الأوكراني في هذه المناطق حربا ضد الدولة الروسية، الأمر الذي يتيح له استخدام السلاح النووي التكتيكي ضد كييف.

يراهن فلاديمير بوتين في هذه المرحلة من الحرب الأوكرانية على سلاح الردع، ولتحقيق غايته النهائية قد يذهب إلى استخدامه، بالرغم من تحذيرات البيت الأبيض الغامضة بشأن الرد عليه بحال استخدم السلاح النووي، لكن بالنسبة للكرملين هناك بنك أهداف نووية استهدافها سيغير المعادلة نهائيا، وستمكنه من فرض الاستسلام على الأوكران، لذلك هناك مخاوف جدية من أنه في حال تعرض الجيش الروسي إلى هزيمة جديدة، قد يقوم بوتين باستخدام النووي التكتيكي لتدمير إحدى المدن الأوكرانية بالكامل على غرار هيروشيما ونجازاكي، الأمر الذي دفع اليابان إلى الاستسلام نهاية الحرب العالمية الثانية، وقد تكون هذه المدينة هي العاصمة كييف خصوصا إذا تمكن من القضاء على الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، وفريقه، ولكن بعض الاحتمالات تستبعد هكذا هجوم مدمر، وتعتقد أن في حسابات الكرملين أيضا موقف الغرب من فعلته، لذلك ترجح أن يقوم باختبار نووي داخل أوكرانيا يتجنب فيه سقوط عدد كبير من الضحايا، ولكن يستخدمه كرسالة إنذار أخيرة للغرب والناتو.

المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها