خضر حسان

الأربعاء ١٩ تموز ٢٠٢٣ - 19:49

المصدر: المدن

بين حوش الرافقة وطيرفلسيه: إتلاف مزروعات ومياه “مشكوك بها”

الحديث عن تلوُّث نهر الليطاني بمياه الصرف الصحي ليس مستجداً، بل يكاد يكون مملاً لكثرة تداوله لأكثر من 20 عاماً. ومع ذلك، لا تنفَكُّ مصلحة مياه الليطاني من تسجيل المخالفات والتحذير من الريّ أو السباحة بمياه النهر، واستطراداً التحذير من انعكاس فوضى الصرف الصحي على تلويث المياه الجوفية. لكن وسط التحذيرات والوقائع، يقبع مُرادٌ غير مرئي للجميع، وهو الحاجة للتهويل لاصطياد التمويل الدولي الذي سرعان ما يتبخَّر نحو الجيوب.

من البقاع الشمالي إلى الجنوب
بشكل شبه يوميّ تُسجِّل المصلحة الوطنية لنهر الليطاني التجاوزات التي تطال النهر والسهول المحيطة، والمستفيدة والمتضرِّرة من النهر وتلويثه. واللافت أن اللبنانيين كأفراد، اكتسبوا مناعة ضد المعلومات المتوفِّرة عن التلوّث وتأثيره على الصحة العامة. فلا خيار آخر لديهم سوى التأقلم، سيّما وأن بعض الأنباء مشكوك بصحّتها، بفعل التسرُّع بالنشر حيناً والعمد حيناً آخر.

في المستجدات، حدّدت المصلحة مناطق تتوزَّع بين البقاع الشمالي والجنوب، تلتفُّ بحزام موبوء بالصرف الصحي. ففي البقاع الشمالي، “يُغرِق الإهمال مئات الدونمات من الأراضي الزراعية بالمجارير ويلوِّث عشرات الآبار الجوفية ونهر الليطاني”. فقد رصدت الفرق الفنية التابعة للمصلحة، خلال جولتها التفقدية في منطقة الحوض الأعلى للنهر بين بلدتيّ حوش الرافقة وسرعين “فيضان الصرف الصحي في منطقة مصرايا، حيث غمرت مياه الصرف الصحي عشرات الدونمات من الأراضي الزراعية وتسربت إلى المياه الجوفية وعشرات الآبار الإرتوازية الموجودة في تلك المنطقة”، وفق ما أعلنته المصلحة، التي حدّدت مصدر هذه المجارير، وهي “شبكة الصرف الصحي لبلدات النبي شيت وسرعين الفوقا وسرعين التحتا”.

إلى الجنوب من تلك المناطق، وتحديداً في بلدة طيرفلسيه قضاء صور، رصدت المصلحة “تدفّق مياه الصرف الصحي من الشبكة التابعة للبلدية إلى النهر”، علماً أن النهر يسير في البلدة بمسافة 7 كلم وتكثر على ضفّتيه المنتزهات التي تستقبل الزوّار يومياً، خصوصاً في فصل الصيف، إلاّ أن المصلحة الوطنية لنهر الليطاني، دعت أمس إلى “ضرورة تجنُّب السباحة في النهر لحين رفع التعدّي والخطر الصحي وأخذ العيِّنات وتحليلها”. وبالتوازي ستتّخذ المصلحة “الإجراءات القانونية بحق الملوِّثين من الجهات العامة والخاصة”.

نفي وإيضاحات
توثّق المصلحة بالصور والفيديوهات، وجود مياه الصرف الصحي تنتشر في الأراضي الزراعية في منطقة البقاع الشمالي. وأحياناً تمتزج تلك المياه بالنفايات المنزلية المنتشرة. ومع ذلك، ينفي رئيس تجمع مزارعي وفلاحي البقاع ابراهيم الترشيشي، تعميم الصورة التي تُظهِر أن مزروعات البقاع تُروى بمياه الصرف الصحي، ويؤكّد في حديث لـ”المدن”، أن ما تم توثيقه “هو حادثة محصورة بأرض لأحد المزارعين، فاضت عليها مياه الصرف الصحي الآتية من منطقة النبي شيت، بسبب عدم إصلاح المجرور. وأتلفت المياه محصوله الممتد على مساحة لا تجاوز طولها 50 متراً وعرضها 8 أمتار”. وأوضح الترشيشي أن مدعي عام البقاع منيف بركات “طلب من البلديات المعنية إصلاح المجرور، وإتلاف المحصول المتضرِّر، وسارَعَ المزارع إلى إتلافها”.

وفي معرض جزمه أن “لا ريّ بمياه الصرف الصحي في البقاع”، وَضَعَ الترشيشي الأنباء المتداولة عن مثل هذا الريّ في خانة “الترويج الذي قد يكون بنيّة حسنة بداعي التحذير، وقد يكون بنية سيئة بهدف ضرب سمعة المنتجات اللبنانية في الأسواق التي تُصَدَّر إليها”.
وإلى طيرفلسيه، أعاد نائب رئيس البلدية محسن مازح، تصويب مسار الأمور. فما وُصِفَ بأن مياه للصرف الصحي الآتية من قناة تصريف للبلدية، هو في الحقيقة “مياه نظيفة استعملها أحد المواطنين ليُنظِّف الشارع أمام مَضافٍ لإحياء مراسم عاشوراء. وسارت المياه بقناة على جانب الطريق، موجودة منذ العام 1992 بهدف تصريف المياه وعدم تأثيرها على الطريق. والمياه تذهب إلى النهر، لكنها ليست مياه صرف صحي”. ولَفَتَ مازح النظر في حديث لـ”المدن”، إلى أنه “تواصل مع مسؤول مصلحة مياه الليطاني في المنطقة وتم إيضاح الأمر”.

ومع ذلك، يؤكّد المدير العام لمصلحة مياه نهر الليطاني سامي علوية، في حديث لـ”المدن”، أن مياه الطرقات “مياه غير نظيفة ولا يعني ذلك رميها في النهر والسباحة بها”. ويلفت النظر إلى أن المصلحة “ادّعت سابقاً على أحد رؤساء بلدية طيرفلسيه بسبب تفريغه شاحنة الصرف الصحي التابعة للبلدية، في النهر. ويمكن تفريغ محتويات حفر الصرف الصحي للبلدة في قناة تصريف المياه”.
وحول مشكلة البقاع، أشار علوية إلى أن “رئيس اتحاد بلديات النبي شيت وسرعين الفوقا وسرعين التحتا، علي شكر، أكّد أنه سيعالج مشكلة شبكة الصرف الصحي. لكن لا نعلم ما إذا تم إتلاف أي مزروعات متضررة أم لا”. وأعرب علوية عن شكّه بوجود “معمل لتصنيع البلاستيك، غير مرخّص، ومحمي سياسياً، يقوم بتحويل مخلّفاته إلى الشبكة، ما تسبب بانسدادها”.

معضلة مزمنة
الإيضاحات المستجدة لا تلغي واقع تلويث نهر الليطاني في حوضيه الأعلى والأدنى، أي من منطقة البقاع الشمالي وصولاً إلى الجنوب، وبمياه الصرف الصحي التي ترميها البلديات والمصانع “ما جَعَلَ النهر وبحيرة القرعون بؤرة تلوث يجب الحجر عليها”، على حد توصيف أحد خبراء المياه، الذي يشير لـ”المدن”، إلى أن “ما يجري في الليطاني ليس إلاّ تنفيعات وصفقات تتّخذ من التلوّث متراساً لاصطياد التمويل الدولي. وللأسف، هناك تواطؤ بين مدراء المنظمات الدولية في لبنان، وبين المستفيدين من قضية الليطاني وبحيرة القرعون، لتمرير مشاريع غير مجدية ولا تكافح التلوّث، بل إن المطلوب هو استمرار التلوث لضمان استمرار المشاريع وتوزيع الأموال بالتراضي، الأمر الذي يجعل موضوع التلوث فيلماً طويلاً”.

وعن تلويث المياه الجوفية في البقاع، أوضح الخبير أن “هناك مبالغة بالقول أن المياه الجوفية في سهل البقاع ملوّثة، لأن تلك المياه ضئيلة جداً، فالمخازن الجوفية الفعلية هي في الجبال. كما أن مسار نهر الليطاني في البقاع، تقبع تحته طبقات من الصخور المانعة للتسرُّب إلى باطن الأرض بشكل كبير”.

المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها