إنجي مجدي

السبت ١٤ حزيران ٢٠٢٥ - 19:59

المصدر: Independent عربية

ترقب الأضرار الإشعاعية لهجمات إسرائيل في إيران

حذرت الزميلة لدى برنامج الشرق الأوسط في المجلس الأطلسي في واشنطن ديانا ريس، من الأضرار البيئية أو الأزمات الصحية الناتجة من العمليات العسكرية، بما في ذلك تسربات النفط، وتلوث المياه، أو تضرر البنية التحتية، مما قد يشكّل تهديداً خطراً للمدنيين في كل من منطقة الخليج وإيران، وتقول إن “هذه ليست مخاوف نظرية، بل تهديدات حقيقية لأمن الغذاء، والحصول على الرعاية، وكرامة الإنسان الأساسية لملايين الأشخاص”.

ما إن دوت أصوات الانفجارات في المنش النووية الإيرانية التي استهدفتها إسرائيل خلال الليلة الماضية، حتى بدت مخاوف بين سكان المنطقة من الإشعاعات المحتمل تسربها من المفاعلات النووية المتضررة، وذهب بعض مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي بعيداً، مستدعين مشهد كارثة تشيرنوبل، الانفجار الذي وقع في الـ26 من أبريل (نيسان) 1986، مودياًبحياة آلاف الأرواح على مدار أعوام.

وفي عام 2011، كادت أن تقع كارثة مشابهة في محطة فوكوشيما في اليابان إثر زلزال قوي بلغت شدته تسع درجات على مقياس ريختر، مما أسفر عن تسرب إشعاعي محدود، وإذا كانت كارثتا اليابان وبيلاروسيا وقعتا بصورة غير متعمدة سواء نتيجة لكارثة طبيعية أو خطأ بشري، في الأولى، أدى إلى سلسلة انفجارات في مبنى ومفاعل كتلة الطاقة الرابعة في محطة تشيرنوبل الكهرذرية، فإن استهداف المنشآت النووية في إيران هو فعل متعمد ومحسوب.

منشأة نطنز

وفق الوكالة الدولية للطاقة الذرية فإن اسرائيل استهدفت موقع نطنز النووي، على بُعد حوالى 215 كيلومتراً جنوب شرقي طهران في محافظة أصفهان، وهو أهم موقع تخصيب نووي في إيران، وتقع منشآت الطرد المركزي في نطنز المحمية بجدران خرسانية ثقيلة، تحت الأرض، واستهدفت العمليات الإسرائيلية مواقع عدة من المنشأة، في وقت كانت أعمال البناء جارية لتوسيع الموقع.

والتخصيب هو العملية التي يتم من خلالها استخراج اليورانيوم-235، الذي يُستخدم في إنتاج الأسلحة النووية، من اليورانيوم الطبيعي الذي يتكون في معظمه من اليورانيوم-238.

يخزن موقع نطنز مواد نووية بتراكيب مختلفة، تشمل اليورانيوم المخصب وغير المخصب، إضافة إلى أجهزة الطرد المركزي التي تقوم بعملية التخصيب.

وتعد نطنز المنشأة التي أنتجت فيها إيران معظم وقودها النووي، بما في ذلك مخزون من اليورانيوم عالي التخصيب الذي تعتقد القوى الغربية أنه يمكن استخدامه في سلاح نووي في المستقبل.

أشارت تقارير أولية نشرتها صحف غربية إلى أن موقع “بيد كنه” الذي يضم عدة منشآت لتطوير وإنتاج الصواريخ، تم استهدافه صباح اليوم الجمعة، بينما لا يزال عدد من المواقع الإيرانية الرئيسة الأخرى، بما في ذلك موقع تخصيب اليورانيوم في فوردو والموقع النووي في أصفهان ومحطة بوشهر للطاقة النووية، لم يتعرض لأي ضربات، بحسب ما أبلغت السلطات الإيرانية الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

ومن غير الواضح حجم الأضرار التي تسببت بها الهجمات في منشأة نطنز أو “بيد كنه”، لكن وفق صحيفة الغارديان البريطانية، فإن لقطات الفيديو المنشورة على الإنترنت بدت وكأنها تُظهر آثار انفجارات هائلة، وفي حين قالت الوكالة الدولية للطاقة الذرية، في الساعات الأولى من الهجوم، إنه لم يتم الإبلاغ عن أي تلوث نووي نتيجة الهجوم الإسرائيلي، أبلغ المتحدث باسم منظمة الطاقة الذرية الإيرانية بهروز كمالندي، بحلول صباح اليوم، عن وقوع تلوث داخل منشأة نطنز، قائلاً “رصدنا تلوثاً كيماوياً أو إشعاعياً داخل الموقع فقط، ولا توجد مؤشرات على تلوث خارجي”، وأضاف أنه لا داعي للقلق في شأن المناطق المحيطة.

ونقلت وكالة مهر للأنباء، انتقادات كمالوندي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، مشيراً إلى أنه راسل المدير العام للوكالة مراراً دون رد، ومع ذلك، وفي ما يبدو رداً على تصريحات كمالوندي، أفادت الوكالة الدولية في وقت لاحق اليوم، أن مستوى الإشعاع حول منشأة نطنز لم يتبدل، مشيراً إلى أن “مستوى التلوث الإشعاعي الراهن داخل المنشأة… يمكن احتواؤه من خلال إجراءات الحماية الموائمة”.

إشعاع وعواصف غبار مشعة

قضية التأثيرات المحتملة لاستهداف المنشآت النووية الإيرانية كثيراً ما كانت موضوع نقاش بين المتخصصين والمراقبين في واشنطن والعواصم الغربية، ووفق الموقع التابع لمركز “ذا ناشونال إنترست” في واشنطن، فإن تدمير الكثير من المفاعلات النووية ومنشآت المعالجة في إيران قد يؤدي إلى إطلاق كميات هائلة من الإشعاع وتشكيل عواصف غبارية مشعة، وستحمل الرياح هذا الضباب السام فوق أفغانستان، كما ستمتد مستويات الإشعاع الخطرة إلى باكستان وغرب الهند والعراق والكويت ومنطقة الخليج، حيث يتمركز عدد كبير من القوات العسكرية الأميركية.

والأخطر من ذلك أن الغبار المشع قد يغطي حقول النفط في الكويت والسعودية والإمارات، أما الرياح في الطبقات الجوية العليا فستعمل على نشر الإشعاع حول العالم، كما حدث في كارثة تشيرنوبيل، ولكن بدرجة قد تصل إلى 20 ضعفاً أو أكثر.

ويقول مراقبون إنه حال حدوث انفجار مباشر ناتج من ضرب المحطة النووية يمكن أن يدمر البنية التحتية ضمن دائرة قطرها من واحد إلى خمسة كيلومترات حولها، مما يسفر عن مستويات إشعاع عالية جداً وآثار حرارية قد تؤدي إلى اندلاع حرائق، وذلك بحسب شدة الضربة، ومن المرجح أن تكون هذه المنطقة مميتة فوراً لأي شخص داخلها، ومن المحتمل أيضاً أنه إذا كانت الضربة قوية بما يكفي لتصيب جميع جوانب المحطة، فإن مستويات الإشعاع ضمن مسافة 20 إلى 50 كيلومتراً ستكون قاتلة، وأي شخص غير محمي من الإشعاع قد يعاني التسمم الإشعاعي الحاد الذي تبدأ أعراضه بالغثيان والقيء، لكنها تتفاقم بسرعة.

لذلك، سيكون من الضروري تنفيذ عملية إخلاء إلزامية وسريعة بسبب مستويات الإشعاع الخطرة، على غرار ما حدث في كارثة تشيرنوبيل، التي أدت إلى إخلاء مناطق ضمن دائرة نصف قطرها 50 كيلومتراً، وفي هذا السياق، من المحتمل أن يتم إنشاء منطقة عزل كبرى، وستصبح هذه المنطقة ملوثة بشدة بالغبار المشع مع مرور الوقت، مما يجعلها غير صالحة للسكن لعقود أو حتى لقرون، حيث تتلوث التربة ومصادر المياه والنباتات والإمدادات الغذائية كافة، مما يؤدي إلى تدهور بيئي طويل الأمد.

انتشار محدود

وفي حين استبعد متخصصون حدوث ما يشبه الكارثة النووية، أو تسريب إشعاعي خطر يضر بالسكان في إيران، فإن الأمر يعتمد على كيفية ترتيب المواد النووية المخزنة في المنشأة، “إذا كانت المواد النووية والمتفجرات محفوظة بصورة منفصلة، فلا يوجد خطر كبير من حدوث انفجار أو تسرب، حتى في حال تعرضت المواد النووية لضربة مباشرة”، بحسب تصريحات الرئيس السابق لهيئة الطاقة الذرية الهندية أنيل كاكودكار لصحيفة “ذا إكسبرس”، وبينما من المحتمل أن تؤدي الضربات إلى تشتت أو انتشار المواد النووية في البيئة، فإنه رجح أن يظل الانتشار محدوداً داخل المنشأة أو موقع الهجوم، إذ من المرجح أن تكون النتيجة “تسرباً إشعاعياً” وليست “انفجاراً منظماً”.

وفي تصريحات سابقة ناقشت فيها صحيفة جيروزاليم بوست الأميركية، ضربة إسرائيلية محتملة لمفاعل بوشهر الإيراني، قال مالكوم غريمستون من كلية إمبريال في لندن إن “اليورانيوم معدن ثقيل جداً، كيميائياً وفيزيائياً، لذا فهو لن يُنقل لمسافات بعيدة بواسطة الرياح إذا تعرضت منشآت التخصيب الإيرانية للهجوم”، وأضاف “هو سام كالرصاص تقريباً… المشكلة ستكون في المنطقة المحيطة المباشرة، ومحاولة منع الناس من ابتلاعه بسبب خصائصه السامة كيميائياً”.

أضرار بيئية وصحية

وأشار روبرت كيلي، من معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام والمدير السابق لفريق تفتيش الوكالة الدولية للطاقة الذرية في العراق، إلى عدم وقوع كارثة على سبيل المثال في المنشآت العراقية، قائلاً “كانت التأثيرات الصحية (في العراق) محلية للغاية”، لكن آخرين قالوا إن الأخطار الصحية قائمة، وتقدير أخطارها على المدى الطويل كان أمراً صعباً بسبب غياب المراقبة لمعدلات السرطان.

ومع ذلك، تحذر الزميلة لدى برنامج الشرق الأوسط في المجلس الأطلسي في واشنطن ديانا ريس، من الأضرار البيئية أو الأزمات الصحية الناتجة من العمليات العسكرية، بما في ذلك تسربات النفط، وتلوث المياه، أو تضرر البنية التحتية، مما قد يشكّل تهديداً خطراً للمدنيين في كل من منطقة الخليج وإيران، وتقول إن “هذه ليست مخاوف نظرية، بل تهديدات حقيقية لأمن الغذاء، والحصول على الرعاية، وكرامة الإنسان الأساسية لملايين الأشخاص”.

وتضيف أنه إلى جانب العواقب السياسية والعسكرية المباشرة، ستطاول التأثيرات الأعمق المدنيين، وبصورة خاصة، أولئك الذين يعيشون أصلاً في أزمات إنسانية في سوريا ولبنان، وتذهب إلى جانب آخر من تأثيرات الصراع، إذ إن أي اضطراب طويل الأمد في حركة التجارة والسفر الجوي الإقليمي، إلى جانب ارتفاع أسعار الوقود والغذاء، سيضرب بشدة السكان النازحين، والمجتمعات المستضيفة، وأولئك الذين يعيشون تحت خط الفقر.

ومن ثم، ترى ريس أنه ينبغي على الولايات المتحدة تحمل مسؤولية اتخاذ خطوات من شأنها تقليل الأضرار، وتجنب اندلاع حرب إقليمية شاملة، وحماية أرواح المدنيين. ويعني ذلك استخدام نفوذها، ليس للتصعيد بل لاحتواء النزاع، والضغط على جميع الأطراف، بما في ذلك الحلفاء، لإعطاء الأولوية للدبلوماسية على حساب الدمار.

إن الفشل في ذلك لن يؤدي فقط إلى إشعال حرب جديدة في المنطقة، بل سيزيد من سوء الأوضاع القائمة أصلاً بالنسبة إلى المجتمعات الهشة عبر المنطقة.

المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها