play icon pause icon
جورج يزبك

جورج يزبك

الثلاثاء ٢٦ تشرين الأول ٢٠٢١ - 07:51

المصدر: صوت لبنان

تعديل قانون الانتخاب في ضوء الاجتهاد الدستوري

لا نقاش في حق رئيس الجمهورية الدستوري في إعادة النظر بالقوانين سنداً للمادة ٥٧/دستور ، وفي الطعن بها سنداً للمادة ١٩/ دستور، تماماً كما ردّ الرئيس عون الى مجلس النواب قانون تعديل قانون الانتخاب، وكما يُتوقع أن يطعن به أو أن يفعل ذلك عشرة نواب، بعد افتراض اقراره ثانية بالغالبية المطلقة من مجموع الأعضاء الذين يؤلفون مجلس النواب قانوناً. لكن واضح أن الطعن لن يؤتى نتائجه لانتفاء الأسباب الدستورية، كما سيصار بيانه.
ولأن رئيس تكتل لبنان القوي النائب جبران باسيل مهندس وليس محامياً أو حقوقياً، لُقنّ بعض قواعد قانونية سنأتي على ذكرها تباعاً وهي أن القانون يضرب الأمان التشريعي La sécurité juridique، والحقوق المكتسبة Les droits acquis، وأيضاً ما عبرّ عنه النائب باسيل بالفرنسية تحت عبارة L’effet cliquet anti-retour.

أولاً. في الأمان التشريعي La sécurité juridique
صحيح أن الأمان التشريعي “ركن أساسي في دولة القانون، وعنصر أساسي في تحقيق الانتظام العام والاستقرار، ويستدعي انتظام العلاقات القانونية في المجتمع بواسطة قوانين تتقيد بالمبادئ والقواعد التي رسمها الدستور، كما يستدعي الثبات والاستقرار في التشريعات، وعدم تغييرها بشكل مفاجئ وسريع، وعدم تعديل العلاقات القانونية التي أرستها بشكل مفاجئ وسريع، ما يترك آثاراً سلبية على المجتمع والمواطن”، وفق ما جاء في قرار المجلس الدستوري ٢٠١٩/٢٠، تاريخ ٢٠١٩/٦/٣.

وفي قرار آخر، قضى المجلس الدستوري بأن “الأمان التشريعي لا يعني الثبات بل تطوير ما هو قائم بتشريعات متدرّجة زمنياً، في شكل يُساهم في الإنتقال إلى وضع تشريعي أكثر إنصافاً وانسجاماً مع القواعد القانونية العامة”، متخذاً الموقف القانوني ذاته الذي استقر عليه المجلس الدستوري الفرنسي، خاصة وأننا في دوامة تطور دياليكتيكي دائم Progression dialectique:

« … il pourrait faire croire que les situations juridiques résultant des lois sont définitivement établies et que le législateur ne pourrait les modifier. Or le Conseil a plus d’une fois jugé qu’il est loisible au législateur de modifier des textes antérieurs ou d’abroger ceux-ci en leur substituant, le cas échéant, d’autres dispositions; qu’il ne lui est pas moins loisible d’adopter, pour la réalisation ou la conciliation d’objectifs de nature constitutionnelle, des modalités nouvelles dont il lui appartient d’apprécier l’opportunité et qui peuvent comporter la modification ou la suppression de dispositions législatives qu’il estime inutiles ; que, cependant, l’exercice de ce pouvoir ne saurait aboutir à priver de garanties légales des exigences de caractère constitutionnel ».
(220 DC du 22 déc. 1986, Journal officiel du 23 décembre 1986, page 15500,
Recueil, p. 174, ECLI, FR, CC, 1986, 86.220.DC) et (217 DC du 18 sept. 1986, Journal officiel du 19 septembre 1986, page 11294, Recueil, p. 141, ECLI, FR, CC, 1986, 86.217.DC)

وبالتدقيق بقانون الانتخاب وبقانون التعديل، لا أرى مساساً بالأمان التشريعي يكفي للقول بترك أثر سلبي على الناخب غير المقيم، بل على العكس
جاء قانون التعديل أكثر إنصافاً له، وأكثر انسجاماً مع القواعد الدستورية والقانونية العامة بحيث ساوى غير المقيم بالمقيم وجعله يقترع من الخارج لمرشحين في الدائرة التي ينتمي اليها في لبنان من ضمن الدوائر ال ١٥، علماً أن قانون الانتخاب بنصه قبل التعديل على استحداث المقاعد النيابية الستة المخصصة للاغتراب، يكون قد أنشأ ست دوائر انتخابية جديدة خارج لبنان، ما كان يستدعي أولاً تعديلاً للمادة ٢٤ من الدستور الذي تنص الفقرة ج منها على توزيع المقاعد النيابية نسبياً بين المناطق، والمقصود المناطق اللبنانية، وليس مناطق خارج الحدود اللبنانية.

ثانياً. في الحقوق المكتسبة Les droits acquis

إن تعديل قانون الانتخاب بالشكل الحاصل فيه وفرّ حقوقاً للناخب غير المقيم كان القانون الأساسي ٢٠١٧/٤٤ ليعطي أقل منها. كما أن القانون قبل التعديل لم يساو بين المقيم وغير المقيم بحيث تمثل المقيم ب ١٢٨ نائباً في حين كان غير المقيم ليتمثل بستة نواب. وبإرساء المساواة وتوفير حقوق أوسع لغير المقيم، يكون قد انتفى سبب الرجوع عن الحقوق المكتسبة لغير المقيمين، كأحد أسباب المراجعة المفترضة أمام المجلس الدستوري، هذا إذا سلّمنا جدلاً بوجود حق مكتسب في ضوء أن هذا الحق الوارد في القانون الأساسي بقي نظرياً ومجرداً من أي تطبيق، وهو لم يُعمل به ولم يُطبق في دورة الانتخابات الماضية بعد تعليق العمل بالمادة ١١٢ الخاصة بالمقاعد الستة، ما جعله لم يرتق الى مستوى الحق الذاتي اللصيق بالمستفيد منه والناتج عن ظرف تعاقدي:

« La loi peut toujours revenir sur une disposition légale antérieure. Mais lorsqu’il s’agit de droits subjectifs résultant d’une situation contractuelle, ils constituent des droits acquis qui ne peuvent se trouver modifiés sans l’accord de son titulaire ».

وبانتفاء ارتقاء الوعد بالمقاعد الستة الى الحق المكتسب اللصيق، وبإعطاء الحق لغير المقيم بالاقتراع وفق القاعدة المتبعة للمقيمين، يكون المشترع قد حافظ على الحقوق الأساسية للشخص كقيمة فوق دستورية Valeurs supra constitutionnelles، ما يجعل أي طعن دستوري مشوباً بعيب عدم القبول.

ثالثا. في قاعدة “عقارب الساعة لا تعود الى الوراء ” L’effet cliquet anti-retour

لا يمكن في حالتنا إعمال قاعدة “عقارب الساعة لا تعود الى الوراء”، لأن المقاعد الستة لم تعطَ فعلياً لغير المقيمين لتصبح حقاً مكتسباً لهم للقول بعدم جواز الرجوع عنها وحرمانهم منها، خاصة وأن التعديلات تجعل القانون بعد تعديله يتمتع بفعالية أكبر، وأستعير كلمات المجلس الدستوري الفرنسي plus effective، وذلك من خلال إرساء قاعدة المساواة بين اللبناني المقيم وغير المقيم وعدم حصر التمثيل الاغترابي بستة نواب. وكان قانون الانتخاب بالمادة ١١٢ منه التي استحدثت المقاعد الستة، ليخالف الفقرة ج من مقدمة الدستور التي تنص على المساواة في الحقوق بين اللبنانيين، علماً أن الدستور لم يفرّق بين لبناني مقيم وغير مقيم. اذاً المادة ١١٢ كانت قبل تعليق العمل بها نصاً غير دستوري لما يرسيه من نظام انتخابي إقصائي restrictif، فكيف اذا كان التعديل الجديد أكثر مواءمة للناخب غير المقيم وجاء بضمانات موازية وفضلى له، وهذا ما استقر عليه أيضاً اجتهاد المجلس الدستوري الفرنسي:
« il (le législateur) doit même remplacer les garanties supprimées par des garanties équivalentes. C’est ce qui est parfois appelé « la règle du cliquet anti-retour ».
(La sécurité juridique en droit constitutionnel français, Michele De SALVIA, Cahiers du Conseil Constitutionnel, N° 11, Dossier : Le principe de sécurité juridique, Décembre, 2001).
واستطراداً، وعلى افتراض أن القانون ٢٠١٧/٤٤ أعطى وعداً لغير المقيمين بحقهم بالاقتراع لنواب يمثلونهم يضافون الى النواب ال١٢٨، وأن أهلنا في الخارج عاشوا على هذا الأمل، الا أن القانون الذي أصدره مجلس النواب بالأخذ ببعض التعديلات، نص على إجراءات انتقالية موازية لصالح غير المقيمين، وهذا ما أخذ به أيضاً الاجتهاد الدستوري الفرنسي:

« … si le législateur vient à supprimer tel ou tel des éléments qui ont conduit les intéressés à choisir de se placer dans telle ou telle situation originellement légale, il doit au moins prévoir des conditions d’accompagnement ou des mesures transitoires en leur faveur, spécialement lorsque ces éléments ont fait naître des espérances légitimement fondées ». (Ibidem)
أما مسألة الطقس، فلا حول ولا قوة.
لكل هذه الأسباب، لا موجب لضياع الوقت.

المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها