خضر حسان

الجمعة ١١ آب ٢٠٢٣ - 19:24

المصدر: المدن

تقرير التدقيق الجنائي يكشف فظائع سلامة: ألفاريز توصي بالرقابة

تأخَّرَ وزير المالية يوسف الخليل في إرسال تقرير التدقيق الجنائي إلى مجلس الوزراء. فالتقرير الذي أعدّته شركة ألفاريز أند مارسال، بقي لدى الخليل بذريعة أنه تقرير أوّلي، أما التقرير النهائي، فسيرسله فور الحصول عليه. وبعيداً من السجال حول إخفاء التقرير رغم قرار مجلس شورى الدولة بالإفراج عنه وتسليمه لعدد من النواب والجمعيات الحقوقية التي طالبت به، كَشَفَ التقرير المفرج عنه يوم أمس، جوانب كثيرة من مسار العمل في مصرف لبنان والصلاحيات المطلقة التي كان يتمتّع بها الحاكم السابق للمصرف المركزي رياض سلامة، فضلاً عن عقم أدوار أعضاء المجلس المركزي. كما بيَّنَ التقرير كيف كان سلامة يتلاعب بالأرقام ليظهِرَ صورة إيجابية لحسابات المصرف المركزي، وكيف استفاد من مركزه لمراكمة ثروة مالية هائلة حوَّلَ معظمها إلى حسابات مصرفية في الخارج.
للاطلاع على النص الكامل لتقرير التدقيق الجنائي انقر هنا

المصرف المركزي خاسر
معلومات وأرقام كثيرة حملها التقرير على متن أكثر من 300 صفحة توثِّق عمليات مصرف لبنان خلال 5 سنوات تمتد بين بداية العام 2015 ونهاية العام 2020.
وفي العنوان العريض، يظهر التقرير أن حساب رأس مال مصرف لبنان يحقق عجزاً، على عكس ما كان يروّج له سلامة طيلة سنوات. فالتقرير أكّد أن أصول المصرف المركزي في العام 2015 حققت عجزاً بمعدّل 20.9 تريليون ليرة، إذ بلغت الأصول 104 تريليون ليرة في حين بلغت المطلوبات 124.9 تريليون ليرة. وارتفع العجز في العام 2020 إلى معدّل 73 تريليون ليرة. علماً أن المركزي حقق في العام 2015 فائضاً في العملات الأجنبية بقيمة 7.2 مليار دولار، سرعان ما انقلبت في العام 2020 إلى عجز بقيمة 50.7 مليار دولار.
أيضاً، أظهر التقرير أن أموالاً كثيرة بدّدها سلامة تحت عناوين متعددة، استفاد منها هو وشقيقه رجا ومساعدته ماريان حوِّيك وعدد كبير من الأفراد والمؤسسات، فضلاً عن المصارف التي استفادت من هندسات مالية دفع مصرف لبنان كلفتها 115 تريليون ليرة. أما شركة “فوري” فحصلت على 333 مليون دولار، من بينها 111 مليون دولار تشكّ شركة ألفاريز أنها أموال غير شرعية.
وكذلك، تضمَّن التقرير تلقّي حسابات تابعة لسلامة في سويسرا، أرصدة مالية بالعملات الأجنبية بلغت قيمتها 98.8 مليون دولار خلال فترة 6 سنوات، بمتوسّط تحويل يبلغ 16.5 مليون دولار سنوياً.
ومن أجل إخفاء آثار التفريط بالأموال، تلاعب سلامة بالوثائق ليظهر أن مصرف لبنان مؤسسة رابحة. وأرسل سلامة لوزارة المال 40 مليون دولار بوصفها أرباحاً محققة.
هذه الممارسات وغيرها، أدّت إلى ما وصفته شركة ألفاريز أند مارسال بـ”التدهور السريع للوضع المالي لمصرف لبنان”.

شركاء بالصمت
سجّلت الشركة أثناء عملها عدم تجاوب سلامة وموظفين في مصرف لبنان مع طلبات الحصول على المستندات المطلوبة. كما لاحظت الشركة أن المجلس المركزي لمصرف لبنان ومفوّض الحكومة في المصرف، لم يقوموا بأدوارهم المطلوبة، خصوصاً لناحية الرقابة على قرارات وسياسات سلامة. وبحسب التقرير فإن “قرارات المجلس المركزي حول الهندسات المالية لم تكن عقلانية أو مبنية على الواقع الاقتصادي وحساب الفوائد والأكلاف والمخاطر والبدائل”. بل اكتفى المجلس بـ”تفسير سريع من الحاكم يتجنّب فيه الحديث عن المخاطر”.
ولإضفاء المزيد من الضبابية حول ما يحصل داخل مصرف لبنان، تلفت الشركة النظر إلى أنه “لم يتم تزويدنا بأي وثائق من شأنها أن تدعم الواجبات التي يؤديها المفوض الحكومي. لقد تم تزويدنا بتقريرين فقط يصفان حالة علاقاته اليومية مع مصرف لبنان”.
وغياب التقارير والوثائق مثَّلَ “تحديات في إجراء التدقيق الجنائي”. ومن تلك التحديات أيضاً “عدم إجراء مقابلات مع موظفي مصرف لبنان”. ومع أن الشركة أرسلت “طلبات وأسئلة مكتوبة إلى موظفي مصرف لبنان”، إلا أنه “لم يتم تقديم أي معلومات إلينا”. وبغياب المعلومات تفترض الشركة أن “هذه المعلومات غير موجودة. ما لم يتم تحديد خلاف ذلك من قِبَل مصرف لبنان”. ورغم ذلك، أشارت الشركة إلى أنه “كان هناك تجاوباً في تقديم المعلومات والمستندات التي تبيِّن أن مصرف لبنان يلتزم بالقوانين”.

صعوبة الإصلاح
التحويلات المالية المشكوك بها، والمبالغ المضخَّمة والتلاعب بالأرقام لتبيان حالة الربح بدل الخسارة، وإخفاء المستندات المطلوبة لتسهيل عملية التدقيق الجنائي، ليست إلا مقدّمة لعدم “اتخاذ أي خطوة لتعزيز ترتيبات الحوكمة في مصرف لبنان”.
ولذلك، أوصت الشركة بـ”الحفاظ على الرقابة على مصرف لبنان من قِبَل الهيئات الخارجية، وإجراء إشراف وتدقيق برلماني أكبر وإجراء مراجعة منهجية مستقلة بتكليف من وزارة المالية. وإيجاد آلية مساءَلة قوية تطلب من البنك المركزي تقديم حساب للقرارات المتّخذة أثناء تنفيذ مسؤولياته”.
تنفيذ هذه التوصيات وغيرها، يتطلَّب وجود سلطة رقابية حقيقية ونية صريحة بالإصلاح، وهذا غير متوفِّر في الوقت الحالي. إذ أن الجهات المفترض بها مراقبة سياسات الحاكم، كانت وما زالت متواطئة معه.
ولأن الاحتمالات ما زالت مفتوحة، أشار التقرير إلى أنه “تقرير أوّلي. ونتيجة لذلك، قد تكون الأرقام الواردة هنا عرضة للتغيير بناءً على استلام وتحليل البيانات أو النتائج الإضافية. وتظل بعض خطوط الاستفسار مفتوحة”.

المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها