خضر حسان

السبت ١٧ شباط ٢٠٢٤ - 18:38

المصدر: المدن

توتال “تتهاوَن” بملفّ التنقيب… ولبنان يفاوض بضعف

تقف شركة توتال الفرنسية على عرش ملفّ التنقيب عن النفط والغاز في لبنان، كمن يمتلك تلك الثروة ويحقّ له تقرير مصيرها. ويساعدها في ذلك، ضعف الدولة اللبنانية التي تركض في هذا الملف من زاوية لأخرى، وتحاول استعطاف توتال وشركائها لتسريع التنقيب والاستخراج. ولذلك أعلن المسؤولون اللبنانيون غير مرّة، بشكل أو بآخر، وجود غاز سيُستَخرَج قريباً وسيساعد ذلك في حلّ الأزمة الاقتصادية!.
لكن من تجربة البلوك رقم 4 إلى البلوك رقم 9 وصولاً إلى تلزيم المسوحات الزلزالية للبلوكين رقم 8 و10، يبدو أن لا مؤشِّرات إيجابية على حُسن سير العملية، إذ تتصرّف توتال وفق مصلحتها أولاً وليس مصلحة لبنان.

عدم توقيع العقد
تأخّرت عملية تلزيم الأعمال في البلوكين 8 و10، وسارت المسألة على عجل. إذ حسم الكونسورتيوم المؤلَّف من تحالف شركات توتال الفرنسية وإيني الإيطالية وقطر للطاقة، أمره في التقدّم للاشتراك في دورة التراخيص الثانية للمزايدة على التزام الأعمال في البلوكيَن. وقبل انتهاء المهلة بساعة واحدة، رسى القرار على المشاركة، في تشرين الأول 2023.
وفي 19 كانون الثاني 2024، وافق مجلس الوزراء على تلزيم البلوكين المذكورين للكونسورتيوم، لكن مع تعديلات في الشروط المالية التقنية والزمنية. ومن الشروط، رفع حصة لبنان المالية وخفض المهلة الزمنية المفترض خلالها الانتهاء من أعمال المسوحات الزلزالية وصولاً إلى الحفر، وهي تعديلات لم تستسِغها توتال التي تقود الكونسورتيوم.
وكان من المفترض أن يجري توقيع عقديّ الاستكشاف والاستخراج في البلوكين، يوم أمس الجمعة، لكن توتال لم تحضُر ولم توقِّع العقد بصفتها المشغِّل لتحالف الشركات الثلاث، الأمر الذي يترك الأعمال معلّقة ورهن الذهاب نحو دورة تراخيص ثالثة والبحث عن مشغِّلين جدد. ويأتي اعتراض توتال انطلاقاً من رفضها تقليص المهلة الزمنية وتتمسّك بالاستمرار في أعمالها حتى العام 2027، في حين يطالب لبنان بتقليصها بما لا يتجاوز السنة ونصف السنة، أي حتى منتصف العام 2026 كحدٍّ أقصى.

التجربة غير مشجِّعة
ينطلق موقف الدولة اللبنانية من التجربة غير المشجّعة مع توتال في البلوكين 4 و9. وتسير الظروف السياسية والأمنية والاقتصادية في لبنان والمنطقة، على عكس ما تشتهيه الدولة. ولذلك، تحاول تسريع العمل في البلوكين 8 و10 علّ النتائج تكون إيجابية على مستوى النتائج الأوّلية، على الأقل، بما يضمن تحسين صورة الاستثمارات النفطية أمام المستثمرين الدوليين، بعد تشويه الصورة بفعل النتائج السابقة غير المشجِّعة.
وانطلاقاً من ذلك، ترى الخبيرة في مجال الطاقة والنفط لوري هايتايان، أن “الدولة تعتبر نفسها متأخّرة في قطاع النفط والغاز، ولا يمكنها فتح المجال أمام الكونسورتيوم لأخذ الكثير من الوقت لإتمام العمل في البلوكين. خصوصاً وأن جولة التراخيص الثانية تأخّرت كثيراً وجرى تمديدها منذ العام 2019 حتى رسوّ النتائج في أواخر العام 2023 على الكونسورتيوم المذكور”. وتخاف الدولة اللبنانية، بحسب ما تقوله هايتايان في حديث لـ”المدن”، من أن تساهم العوامل الأمنية في المنطقة، في تشجيع توتال على عدم تسريع أعمالها في البلوكَين، خصوصاً وأنها “تأخرت في تنفيذ أعمالها في البلوك رقم 9، ولولا تسريع عملية ترسيم الحدود البحرية والحصول على الضمانات الأمنية، لما استكملت الأعمال”. تلك الأعمال التي انتهت بصورة غامضة من خلال الإعلان السريع لعدم التوصّل إلى وجود كميات من الغاز، بدون تقديم تقرير مفصَّل وواضح. ومن المنتظر حصول وزارة الطاقة على التقرير من توتال، مع نهاية الشهر الجاري.

ضعف موقف الدولة
لم تقبل توتال تسريع أعمالها، فلم توقِّع العقد مع لبنان الذي يقبع اليوم بين خيارين “إما قبول شروط توتال وانتظار المهلة الزمنية الأطول لتنفيذ الأعمال، أو الذهاب إلى دورة تراخيص ثالثة تفتح المجال أمام شركات أخرى قد تكون أقل كفاءة من توتال”.
لا يعني ذلك أن توتال تبتزّ الدولة اللبنانية أو تملك حكماً الورقة الرابحة أو الأقوى في هذا الملف. إذ تلفت هايتايان النظر إلى أن “في موقف توتال ما قد يمسّها أيضاً ويُفَسَّر على أنه ضعف منها. فأمام المستثمرين الدوليين، لم تُوَفَّق توتال بأعمالها في البلوكَين 4 و9، في حين أن شريكتها إيني الإيطالية، سجّلت نجاحاتٍ في قبرص ومصر، وهذا قد يُسَجَّل تقنياً لمصلحة إيني على حساب توتال التي تقود التحالف في لبنان، أي المسؤولة عن أعمال الاستكشاف والحفر. والمستثمرون يتطلّعون إلى النتائج التقنية أكثر مما يتطلّعون إلى ما يتّصل بالملف من أمور سياسية قد تنغمس بها توتال أو أي شركة تقود أعمالاً في بلد ما”. وهذا الانغماس بات واضحاً في الملف اللبناني، إذ شكَّلَت توتال منصّة لتعزيز النفوذ السياسي الفرنسي في لبنان والمنطقة، على حساب المصلحة التقنية المتمثّلة بتسريع التنقيب عن الغاز.
وإن كان لشركة توتال حساباتها التجارية أو السياسية ربطاً بالنفوذ الفرنسي، إلاّ أن ذلك لا ينفي فقدان الدولة اللبنانية للكثير من عوامل قوّتها التي يفترض أن تساهم في فرض مصلحتها على توتال. فالدولة “بلا أهداف”، ووضع المنطقة غير مشجِّع لاستقطاب شركات جديدة قد تهتم بالتنقيب عن الغاز ضمن حدود غير مستقرّة. فمن سيأتي، عليه ضمان رضى الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل، وهو ما حصل مع شركة توتال في البلوك رقم 9، إذ وقَّعَت اتفاقاً مع الدولة اللبنانية يضمن النفوذ الأميركي في ملف التنقيب، واتفاقاً ثنائياً آخر بينها وبين إسرائيل يضمن حصّة للأخيرة من عائدات الغاز في حقل قانا.
ما يعني أن الدولة اللبنانية الضعيفة، ستبقى رهينة الشركات والقوى الإقليمية والدولية “طالما أنها ليست على الخطى السليمة في ما يتعلّق بالإصلاحات وبالنهوض والاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي وانتظام عمل المؤسسات، وهي كلّها أمور مطلوبة لجذب الاستثمارات، إلاّ إن كانت الدولة سترضى بمستثمرين أقل خبرة وأقل كفاءة”.

في المحصّلة، بات ملف البلوكّين 8 و10 معلّقاً إلى حين اتخاذ القرار المناسب، والذي تدخل فيه عوامل مؤثِّرة ليست في صالح الدولة اللبنانية التي تقف عاجزة أمام التحوّلات السياسية والاقتصادية في الداخل والخارج.

المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها