كارن الزعتري

السبت ٢٦ آب ٢٠٢٣ - 20:16

المصدر: المدن

“تيك توك: بث مباشر لـ”اللامحتوى” و”اكبسوا” للمال الوفير

“هاتف، انترنت، وفكرة…” هذا كل ما تحتاجه لتصبح مؤثراً على مواقع التواصل الاجتماعي. فرضت التطورات الرقمية، تغيّراً نمطياً في المحتوى المقدّم على هذه المنصات. وبينما تلعب اهتمامات المشاهدين دوراً كبيراً في عملية إنتاج المحتوى، نجد أن واقع المجتمعات الاقتصادي والاجتماعي والثقافي يؤثر أيضاً على نوعية المنتج المقدّم. لا يمكن الجزم بأن العالم يتّجه نحو المحتوى السطحي أو البسيط، لكن هذا النوع ينال رواجاً واسعاً لدى “المؤثّرين” لسهولة تحضيره. يتجلّى الواقع الفعلي للمحتوى اليوم عقب اكتساح منصة “تيك توك” للفضاء الرقمي. فبمجرد تركيب أغنية على رقصة، أو تنفيذ مقالب بأفراد العائلة، يصبح الفيديو “تريند”.

لكن هل من يسمّون أنفسهم “مؤثّرين” على هذه المنصّات، يحملون “مسؤولية اجتماعية” ما، خصوصاً وقد أصبح الانترنت بمتناول الجميع ومنهم الأطفال والمراهقين.

الأطفال في دوامة الواقع الافتراضي
“على المدارس إدخال حصة واحدة على الأقل للتوعية حول مواقع التواصل الاجتماعي وسبل استخدامها وكيفية تلقي محتواها، إلاّ أنه مع الأسف ما زالت معظمها تتجاهل الموضوع تحت عذر كثافة البرنامج المدرسي”، تقول دادي دكّاش، الخبيرة في المجال الالكتروني الرقمي، لـ”المدن”. يتلقى الأطفال كمّاً هائلاً من المعلومات عن طريق المنصات الإلكترونية التي تغيب عنها معايير الرقابة المحلية. وهو ما يجعل هذه الفئات عالقة في دوامة الواقع الافتراضي الذي يحاولون تجسيده فعلياً، مما يؤدي إلى انتشار مفاهيم خاطئة مرتبطة بمعايير الجمال، والمستوى الاجتماعي والمادي. بالإضافة إلى مخاطر “تحديات تيك توك” التي تنتشر بشكل واسع، كتناول كمية كبيرة من “التاكيز” الحرّ مثلا، تحثّ هذه التحديات المستخدمين على تجربتها، وأدّت في كثير من الأحيان إلى التسبب بحالات وفاة.

في العام 2017 أُطلقت منصة “تيك توك” التّي غيّرت بطرق صناعة المحتوى وتقديمه، فبعد أن كان “اليوتيوبرز” عبر منصة “يوتيوب” يقومون بتحضير حلقات وبرامج يمتدّ وقتها إلى 5 دقائق على الأقل، جاء “تيك توك” ليغيّر المعادلة. فاعتمد هذا التطبيق على نظام الفيديوهات القصيرة، التي لا تتجاوز مدتها 30 ثانية في البداية. “وفّر تيكتوك للمستخدمين سهولة في إنتاج المحتوى، إذ إنه قدّم المؤثرات الصوتية والصورية، وكل ما يحتاجه المستخدم هو هاتف”، تضيف دكّاش. غيّرت هذه الظاهرة نظرة المؤثرين وصانعي المحتوى، لأن تيك توك قدّم لهم فرصةً لتحضير محتوى بسيط مقارنة مع المحتوى في “يوتيوب” إلى جانب تأمين الشهرة نفسها والانتشار. والآن، غالباً لا يمكن لأغنية على يوتيوب أن تنجح إلا بمساندة “تريند” على تيك توك. وقد سهّل “تيك توك” أيضاً، جني الأرباح،. فأياً كان المحتوى الذي تقدّمه، إن أعجب الآلاف، فأهلاً بك في عالم الشهرة والمال.

البث المباشر وجني الأموال
“مُسمّى مشهور أصبح مهنة من لا مهنة له، بصرف النظر عن المحتوى الذي يقدمه أو أدى إلى شهرته”، تؤكّد هيفاء سالم الأكاديمية والباحثة، والأستاذة في علم الإجتماع في الجامعة اللبنانية لـ”المدن”. ففكرة “الربح السريع والمجهود القليل التي أصبحت رائجة في هذا العصر، جعلت الشباب يبحثون عن الطرق الأبسط للترفيه والكسب المالي، وقد ساهمت جائحة كورونا في ازدياد هذه الظاهرة، وخلق نوع من المحتوى الجديد. ويسعى هؤلاء المؤثرين إلى رسم صورة افتراضية لشخصيتهم وترسيخها في أذهان الجمهور.

وتضيف سالم “إن زيادة نسب المشاهدات والحفاظ عليها بات هاجسا لدى الكثيرين من صناع المحتوى، ما يدفع لفعل أي شيء وبأي طريقة”. أصبحت الغاية تبرّر الوسيلة، إذ إننا نرى في الآونة الأخيرة لجوء صانعي المحتوى إلى مختلف أنواع المحتويات للفت الأنظار، فكلّما كانت الفكرة أو الموضوع مثيرين للجدل، ازدادت نسب المشاهدة وجنى “المؤثّر” أرباحاً أكثر. والبث المباشر في “التيك توك” ميّزه عن غيره من التطبيقات. إذ إن المشاركين في البث يقومون ببعض التحديات الغريبة لشدّ الجمهور، حتى يقوم الأخير بإرسال الأموال للمؤثّر على شكل ألعاب وهدايا في التطبيق. ومن العبارات التي يُكثر “التيك توكرز” من تداولها أثناء البث:”اكبسوا، اكبسوا”. ولا شيء يمنع “المؤثرين” المشاركين في البث، من كسر البيض على رؤوسهم لكسب المال!.

هذه واحدة من النماذج التي يمكن متابعتها على مواقع التواصل الاجتماعي، وغيرها الكثير من “اللا محتوى” الذي يغزو الصفحات. وفي السياق تعلّق سلام: ” “تيك توك” أصبح أكثر المنصات التي تقدم محتوى غير مفيد وتافه، ويحظى به البث بمقابل مادّي”. فالوردة التي يرسلها متابعو البثّ ثمنها 0.015 دولار، أما الأسد فسعره 370 دولار.

في حُبّ العربية وتبسيطها
ليس كل ما ينُشرعلى مواقع التواصل أصبح فارغاً من المحتوى القيّم. فبعض الصفحات تقدّم المعرفة والمعلومات من خلال هذه المقاطع الصغيرة. فكثافة المحتوى في أقل وقت ممكن هو ما يرغب به معظم “الجيل الجديد”، فتتحول الفيديوهات القصيرة مصدراً للمعلومات.

“أحاول أن أقرّب اللغة العربية للمراهقين، وأن أمحي الأفكار النمطية عن أنها لغة صعبة” يقول صانع المحتوى نوح مقدّم لـ”المدن”. استغلّ مقدّم صوته المميّز وحبّه للأدب والشعر العربي لينتج محتواه على مواقع التواصل الاجتماعي. ترك الطب لملاحقة شغفه بالمجال الصحافي. يمثّل المحتوى الذي تقدّمه الشريحة الأقل من “المؤثرين” الذين ينشرون مضموناً وأفكاراً هادفة على المنصات.

في لبنان لا يدفع “التيك توك” لصانعي المحتوى، بل هم فقط يجنون الربح المادي من خلال البث المباشر، أو من الاعلانات. لا يهدف مقدّم إلى الربح المادي من المنصات ويؤكّد لـ”المدن”، ” لا أقوم بالاعلانات على صفحتي إلاّ نادراً، بل أخصصها لمحتواي”. هو كغيره من “المؤثرين” يطمح إلى تطوير عمله على هذه المنصات، ويعتبر نفسه الآن جزءاً من الهوية العربية التّي يعمل على نشر ثقافتها عند المراهقين.

صار “تيك توك” يجمع اليوم بين مختلف الجوانب الترفيهية والتثقيفية والتسويقية، حتى صار من الصعب على أي فكرة أو سلعة أن تنتشر من دون ترويجها على هذه المنصة. وقد نجح هذا التطبيق في جذب غالبية الفئات الاجتماعية. فلم يعد مستغرباً أن نجد فنانين مشهورين يستنجدون بعبارة “اكبسوا، اكبسوا” في بثٍ مباشر.

المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها