فرنسوا ضاهر

الأحد ٢٤ تشرين الثاني ٢٠١٩ - 08:44

المصدر: صوت لبنان

ثورة 17 تشرين الأول ولبنان الغد

الإنتفاضةُ الوطنيةُ التي حصلت في 17 تشرين الأول
أثبتت بعد مرور ما يزيدُ على الشهر على إنطلاقتها،
أنها حالةٌ وطنيةٌ شاملةٌ عابرةٌ للطوائفِ والمذاهبِ
والأحزابِ والمناطقِ.

وهي ترمي الى أخذِ البلدِ الى مكانٍ وموقعٍ جديدين لا علاقةَ لهما
بالحقبة التي مرّت بها منذ مطلعِ التسعيناتِ وحتى اليوم .

كما ترمي، لغاية تحقيقِ هذا الهدف، الى التخلّصِ والتملّصِ
من كلِّ الطبقة الحاكمة التي حكمته وأدارته.
وبخاصةٍ الى محاسبةِ تلك الطبقةِ على أعمالها، واستردادِ،
ما أمكن، من الأموال التي سرقتها ونهبتها منه.

كما ترمي ايضاً الى إعادةِ بناءِ مؤسساتِ الدولةِ، على غيرِ
الأسسِ والقيمِ التي سارتْ عليها طوالَ عقودٍ،
من دونيّةٍ وسوءِ إدارةٍ وزبائنيةٍ وفسادٍ.
وإن الانتصار الذي حقّقته ثورة 17 تشرين الأول بالأمس، في إنتخابات
نقابة المحامين في بيروت، إنما يشكّلُ الخرق الأول لإحدى المؤسّسات المركزية
في القطاع الخاص، التي تعملُ الى جانب الدولة وعلى يمين المؤسسات الدستورية
التي تتكوّن منها.

كما وإن قيامَ حكومة مستقلّة، رئيساً ووزراء، سيشكّلُ الخرق الثاني المباشر
لإحدى السلطات الثلاث التي تتكوّنُ منها تلك الدولة.

وإن هذه الحال الانقلابية السلميّة، الهادئة والديمقراطية
لا بدّ أنها ستنعكسُ إيجاباً على كلّ القطاعات العامة والخاصة تدريجاً،
لناحية إجراء تعديل جذري في نمط إدارتها وفي شخص الأفراد
الذين يديرونها ويتولّون شؤونها.

فثورة 17 تشرين الأول، إنما وُلِدَت من رحِم المعاناة والبؤس
والظلم والفقر والجوع والعوز والبِطالة والهجرة واليأس والقهر والإهمال
والاستخدام لمشاعر الناس وعواطفهم،
والاستهتار بشؤونهم وبأحوالهم.
فضلاً عن أنها نشأت ايضاً، من يقظة هؤلاء الناس، في ذلك اليوم،
على أن الطبقةَ الحاكمةَ قد بدّدت كل ماليةِ دولتهم ومدّخراتِهم في المصارف،
وعبثت بها هدراً وسرقةً وحتى نهباً.
وإن ما يعني هؤلاء الناس من همومٍ، إنما يعني ايضاً القوى العسكرية والأمنية
المؤتمنة على السلم الأهلي في البلاد.
بحيث لا يصحّ ولا يجوز، في أيةِ لحظةٍ، ان يُساءَ التصرّفَ معها،
كما لا يصحّ ولا يجوز ان تسيءَ هي التصرفَ معهم.

إذ هي مؤتمنةٌ بذاتها على سِلمِهم، وليس على حماية مآرب الطبقةِ الحاكمةِ،
وذاتيّة أهوائها، بالتسلّطِ والقمعِ لهذا الشعب المنتفض والمحقّ في معارضته لها.

كلّ هذا يحملنا، في المحصّلة، على القول بأن ثورة 17 تشرين الأول
هي ليست فقط حالةً وطنيةً، بل ايضاً حالةٌ إستقلاليّةٌ وسياديّةٌ،
بمفهوم عيد الاستقلال بحدّ ذاته الواقع بالأمس،
ترمي الى الحفاظ على تراث لبنان،
والى وضع أُسسٍ جديدةٍ لإدارة لبنانَ الغد،
حتى يحصِّن الشعبُ وطنَه، ويتصالحَ مع دولتِه،
التي تكون قد أُؤتمنت على حسن رعاية شؤونه واحتياجاته،
وعلى تحقيق حِلمِهِ بمستقبلٍ أفضل.

المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها