جمهورية عكازات

أعتقد أن الرئيس سعد الحريري يحاول أن يستوحي من تاريخ الرئيس رشيد كرامي أكثر مما يستوحي من تاريخ والده. عام ١٩٥٥، يوم تسلم اول رئاسة حكومة في عهد الرئيس كميل شمعون، كان رشيد كرامي أصغر رؤساء الحكومات وأطولهم عمراً في الحكم حيث قضى ما مجموعه عشر سنوات امتدت الى عهود الرؤساء المتعاقبين. والرئيس الحريري هو أصغر رؤساء حكومات ما بعد الطائف بين الرؤساء عمر كرامي ورشيد الصلح ورفيق الحريري وسليم الحص ونجيب ميقاتي وفؤاد السنيورة وتمام سلام وحسان دياب.وقد يكون أطولهم اذا أطال الله بعمره، بسنوات الخدمة لا بالقامة التي يتربع على عرشها نجيب ميقاتي.
الرئيس المكلف يحاول أن ينتقم مرتين. ينتقم مرة لنفسه بعدما أسقط ميشال عون حكومته عام ٢٠١١. وينتقم مرة من نفسه بسبب انتخابه ميشال عون رئيساً للجمهورية عام ٢٠١٦. والرئيس المكلف لا يرغب في أن يلدغ المؤمن من جحر مرتين، فيتشدد في التأليف كي لا يعطي للآخر فرصة الإطاحة به غبّ الطلب. أسوأ الأنظمة على الإطلاق أن يكون مكوّن ناطراً على الكوع لينقضّ على مكوّن آخر فيصبح هذا فريسة ذاك أو العكس.

وأسوأ الدول أن تصبح فيها رئاسة الجمهورية بيت راحة، ورئاسة الحكومة طائرة نفاثة في الجو ونفس طويل على الأرض طالما لا أحد قادر على وقف رحلاته ولو رئيساً مكلفاً، ولا على تشليحه ورقة التكليف مهما رغب في التسويف. أما رئاسة مجلس النواب فملكية خاصة لا تنتقل الا بالوفاة، ورؤساء المجلس يعمرّون ولا يموتون، عادل عسيران عاش ٩٣ عاماً، وكامل الاسعد ٧٨ عاماً، وحسين الحسيني ما زال على قيد الحياة، أطال الله بعمره، صبري حمادة عاش فقط ٧٤ عاماً. إنها جمهورية العجزة ولو فيها شباب، وجمهورية الصبية ولو تمشي على عكازات.

المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها