حارث سليمان

الأربعاء ١٢ نيسان ٢٠٢٣ - 16:04

المصدر: جنوبية

حارث سليمان يكتب ل«جنوبية»: أوحدةٌ لساحات ممانعة أم لمُ شملٍ ليمين صهيوني؟

بعد ٧٥ سنة من قيام دولة الكيان الاسرائيلي، وبعد مرور أكثر من قرن كامل من الزمن، على الصراع المتفجر في فلسطين بين العرب والفلسطينيين من جهة، والحركة الصهيونية وحلفاؤها قي دول الغرب، وبقية دول العالم من جهة اخرى، ثمة حقائق فلسطينية تكرست، ووقائع اسرائيلية فرضتها موازين القوى، وثمة اعادة رسم وتفكيك عبر الزمن والسنوات، لتحالفات الأطراف المشتبكة في هذا الصراع، فكما حدث خروج جزئي لبعض الأطراف والقوى من لجة الصراع، فقد حدث دخول أطراف لم تكن أصلا في الاشتباك الاولي.

فقد خرجت معظم أنظمة الدول العربية من الاشتباك المسلح، بشكل او آخر، ومنها من وقع اتفاقات سلام بارد مثل مصر والأردن، او انهى حالات الحرب والصراع مع اسرائيل كمنظمة التحرير وسورية، اضافة الى اطراف منها أقامت علاقات دبلوماسية وتجارية كالإمارات والبحرين والمغرب، وأخرى اعتمدت خيار تطبيع العلاقات كقطر ومسقط والسودان، مع كيان العدو، وصولا الى حالات من التنسيق الأمني بين أطراف عربية والاجهزة الاسرائيلية. استطاعت إيران ان تختطف راية الدفاع عن القضية الفلسطينية وأن تخترق من خلال تبنيها لدعم عمليات قتالية لمواجهة اسرائيل في ظل هذه المستجدات، استطاعت إيران ان تختطف راية الدفاع عن القضية الفلسطينية وأن تخترق، من خلال تبنيها لدعم عمليات قتالية لمواجهة اسرائيل، المجتمعات العربية، وان تقيم في دول المشرق وفي فلسطين ذاتها، تنظيمات وميليشيات عسكرية، تتبع لها وتنفذ تعليماتها، بدعوى الدفاع عن الشعب الفلسطيني واستعادة حقوقه الوطنية في أرضه وسيادته ووطنه.

وعلى غرار وضع غزة، وحدها جبهة الجنوب اللبناني، ما زالت متحركة ويمكن اشعالها كل ما قررت طهران ذلك، لسبب أو لآخر!!منذ بداية القرن الواحد والعشرين، تصدرت الممانعة بقيادة إيران ونظام الأسد، صفوف مناهضة التسوية السياسية للصراع العربي الإسرائيلي، بذريعة الدفاع عن كامل فلسطين واستعادة هضبة الجولان السورية ومزارع شبعا اللبنانية، فيما تصدر اليمين الإسرائيلي وسيطر على قيادة كيان العدو، وتنفيذ سياساته بمتابعة عمليات استيطان الضفة الغربية وتهويدها، ومحاصرة المجتمعات العربية الفلسطينية داخل الخط الأخضر، وتكريس ممارسات فصل عنصري، ونظام ابارتهايد يتحكم بعرب اسرائيل.

على غرار وضع غزة وحدها جبهة الجنوب اللبناني ما زالت متحركة ويمكن اشعالها كل ما قررت طهران ذلك لسبب أو لآخر فقد اتجه الواقع السياسي في كيان العدو بشكل دؤوب ومضطرد، نحو تعزيز الأحزاب اليمينية المتطرفة، فمنذ إغتيال اسحق رابين، رئيس وزراء اسرائيل، وآخر انبيائها، وصانع برنامجها النووي، سنة ١٩٩٥ بعد توقيع اتفاق أوسلو مع الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، كان المجتمع السياسي الاسرائيلي، يعاد تشكيله وبناؤه، وذلك بتهميش أحزاب تاريخية صهيونية، كانت تتبنى برامج وسطية وشبه يسارية، بحيث تضاءل تمثيلها، و إنكفأ تأثيرُها السياسي، حدث ذلك مع حزب العمل الذي قاد كيان العدو منذ تأسيسه، وحتى سنة ١٩٧٧، فخلال حرب تشرين كانت اسرائيل بقيادة غولدا مائير التي خلفها اسحق رابين حتى سنة ١٩٧٧.

كما حدث مع حزب ميرتس، والمفدال وراكاح… في الوقت ذاته كانت تتشكل أحزاب يمينية جديدة، يتعاظم تأثيرها، ويزداد نزوعها الى التطرف والعنصرية والفاشية. كانت فاتحة الصعود المستمر لليمين الصهيوني هي تولي مناحيم بيغن زعيم حزب الليكود سنة ١٩٧٧ رئاسة وزراء اسرائيل ونجاحه في توقيع اتفاقيات كامب ديفيد كانت فاتحة الصعود المستمر لليمين الصهيوني، هي تولي مناحيم بيغن زعيم حزب الليكود سنة ١٩٧٧ رئاسة وزراء اسرائيل، ونجاحه في توقيع اتفاقيات كامب ديفيد مع الرئيس السادات سنة ١٩٧٩، وخوضه مع ارييل شارون حرب لبنان سنة ١٩٨٢، ثم تولي خليفته اسحاق شامير حضور مؤتمر مدريد، وتوقيع اتفاقية وادي عربة مع الأردن… اتجه الواقع السياسي في كيان العدو بشكل دؤوب ومضطرد نحو تعزيز الأحزاب اليمينية المتطرفة كانت هذه الاتفاقات، والتسويات اضافة لقيام حكومة شارون بالانسحاب من قطاع غزة سنة ٢٠٠٥، بابا لليمين القومي الاسرائيلي لكي يكتسب حضورا دوليا، وقبولا بالتعامل معه كمكوِّن سياسي يمثل جزءا من الحياة السياسية في كيان العدو. انعكست هذه الصورة على اتجاهات الرأي اليهودية في دول الغرب وأميركا، فاصبح لتجمع الليكود وامثاله ( كاديما) حضورا وازنا لدى جاليات اليهود في العالم، وبعد أن كان اللوبي اليهودي الأميركي هو مجال متاح فقط لسياسات حزب العمل وخياراته، تكوَّن لليمين الإسرائيلي، جماعاته الفاعلة، وأصبحت مؤتمرات الايباك في اميركا، تستضيف نتنياهو كزعيم يمثل دولة الكيان. كان صعود اليمين القومي الإسرائيلي، نتيجة تلقائية لتطورات هامة راكمتها سنوات العقدين الماضيين داخل فلسطين وخارجها : 1) فقد شكل انهيار الاتحاد السوفييتي في تسعينات القرن الماضي، فرصة ذهبية لاسرائيل، حيث هاجر اليها اكثر من مليون مهاجر (يهودي ؟) يتمتعون بكفاءات علمية ويعززون الثقل الديموغرافي للمستوطنين الجدد للكيان. وقد افرزوا حزب ” اسرائيل بيتنا بزعامة ليبرمان. 2) ترافق ذلك مع نمو متزايد للثقل الديموغرافي لليهود الشرقيين وسكان المستوطنات في الضفة الغربية، الذين ترتفع نسبة الولادات فيما بينهم، فمنذ عام 2017، شهد عدد سكان المستوطنات نموًا بنسبة 13 في المئة مقارنةً بالنمو السكاني، البالغ 8 في المئة بشكل عام في إسرائيل، مع نمو عدد سكان المستوطنات، توسع أيضًا، تمثيل الأحزاب اليمينية المتطرفة باتجاهيها القومي والديني في المجالين السياسي والحياة العامة في إسرائيل. 3) كما ادى صعود التيارات الدينية في العالم عامة وفي أمريكا على وجه الخصوص، الى ظهور المسيحيين الصهاينة الذين يعتقدون أن عودة المسيح، ترتبط بتهويد الضفة الغربية و استيطانها، فتلاقى هؤلاء مع فئتين في اسرائيل؛ أحزاب اليهود الشرقيين المتطرفة والأحزاب الدينية التوراتية. لعبت التركيبة السكانية للمستوطنات دورًا كبيرًا في صعود كتلة قومية متشددة من اليمين المتطرف في إسرائيل وقد لعبت التركيبة السكانية للمستوطنات دورًا كبيرًا، في صعود كتلة قومية متشددة من اليمين المتطرف في إسرائيل، وأول نجاحات حققتها هذه الكتلة الدينية القومية المتطرفة، هي اقتناص ستة مقاعد في الكنيست، في آذار 2021، ثم حصلت على أربعة عشر مقعدًا في الانتخابات التي أُجريت آخر ٢٠٢٢، لتصبح ثالث أكبر حزب في الكنيست. الصعود الأخير لهذا لتيار المتشدد على يمين حزب الليكود، في إسرائيل، كان تتويجا لحركة المتطرفين الإسرائيلية التي راكمت وضعها ببطء منذ أكثر من قرن، النزعة اليمينية العنصرية في إسرائيل آخذة في الازدياد؛ ما يقرب من 75.9 في المئة من اليهود الإسرائيليين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و34 عامًا، يعرّفون عن أنفسهم على أنهم ينتمون إلى اليمين المعتدل (34.9 في المئة) أو إلى اليمين (41.0 في المئة)، وذلك مقابل (56.6 في المئة) من الإسرائيليين اليهود الذين تبلغ أعمارهم أكثر من 55 عامًا. مع ترسيخ “حزب الليكود” لنفسه كحزب متشدد في مؤسسات الكيان، اضاف اليمين الإسرائيلي أيضًا الى صفوفه في آذار 2021 “الحزب الصهيوني الديني” وحزب “عوتسما يهوديت” الكاهاني و”حزب نعوم”. في انتخابات نوفمبر 2022 فاز “الحزب الصهيوني الديني” بأربعة عشر مقعدًا وحوالي 11٪ من الأصوات الوطنية على مستوى نتائج إسرائيل كاملة.

ومعروف بتسلئيل سموتريش رئيس “الحزب الصهيوني الديني”، الذي يشغل حقيبة المالية في حكومة نتياهو الراهنه، بتعليقاته المعادية للعرب. وفي تشرين الثاني 2022، انضم إيتمار بن غفير للحزب كرئيس مشارك، وهو يُعتبر أكثر تطرفًا من سموتريش، ومتورط في العديد من الحوادث التي لا تنسى، وأهمها الاعتداء، وهو في سن مراهقته، على سيارة رابين. وبن غفير هو أيضًا وزير الامن القومي في حكومة العدو، وزعيم حزب “عوتسما يهوديت” أو (“العظمة اليهودية”) وهو حزب كاهاني يكتسب هؤلاء صفتهم، من مؤسسهم الأيديولوجي مائير كاهانا، وهو يهودي أمريكي وُلِد في بروكلين، وبعد انتقاله إلى إسرائيل وانتخابه في الكنيست، أيّد علنًا طرد المواطنين العرب في إسرائيل وإقامة دولة إسرائيل كدولة دينية يهودية.يعود النجاح الذي حققه “الحزب الصهيوني الديني” إلى التأييد الانتخابي القوي، الذي اكتسبته القائمة المشتركة بين “الحزب الصهيوني الديني” وحزب عوتسما يهوديت”، من ناخبي السكان شرق جدار الفصل العنصري.نتج عن هذا التلاقي بين اليمين القومي، والصهيونية الدينية، المطالبة بالاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية، ورفض عملية التسوية التي ترتكز على مبدأ الأرض مقابل السلام. في السياسة العملية، كان هذا اليمين الناهض يجمع بكافة تشكيلاته، على رفض التخلي عن أي جزء من الارض المحتلة، ويصر على إفشال أية تسوية سياسية للصراع مع الشعب الفلسطيني، و يناهض فكرة قيام دولة فلسطينية، انطلاقا من اتفاق أوسلو. ويفتش عن طرق متعددة للتخلص من العرب داخل الخط الأخضر، حتى لو تطلب الأمر القيام بحملات ترانسفير وتهجير واسعة، لطرد سكان الارض الاصليين الى الاردن او غيرها من الدول، وسعت هذه الأحزاب، بالتحالف مع اليمين القومي، الى اقرار قوانين في الكنيست تحاصر الوجود العربي داخل الخط الأخضر وتستكمل بناء نظام أبارتهيد وفصل عنصري في اراضي ال ٤٨، إضافة لتهويد الضفة الغربية وخنقها بجدار الفصل العنصري وتقطيع مدنها الى معازل بشرية غير متصلة، وتعريض السكان فيها لحملات تنكيل تفتعلها قطعان المستوطنين. كان هذا اليمين الناهض يجمع بكافة تشكيلاته على رفض التخلي عن أي جزء من الارض المحتلة ويصر على إفشال أية تسوية سياسية للصراع مع الشعب الفلسطيني ويناهض فكرة قيام دولة فلسطينية انطلاقا من اتفاق أوسلو على الضفة الاخرى من جانبي الصراع، برز منهجان مفترقان، منهج السعي الى تسوية تستكمل انسحاب اسرائيل من الجولان، واقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية وغزة، وكان هذا النهج يعتمد الوساطة الأميركية ومساعي الدول الغربية ويعتمد قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة بالقضية الفلسطينية، ويطالب بتطبيق الشرعية الدولية. وقد راهن اصحاب هذا النهج على دور اميركي مبادر يستطيع انجاز تسوية تستند الى القرارات الدولية ويلزم اسرائيل بها.

وكان واضحا أن التسوية هذه، قد أمكن و يمكن تحقيقها عبر مفاوضات مع اليسار او يمين الوسط الاسرائيلي، الا ان الفشل في تحقيق هذه التسوية اي إقامة دولة فلسطينية واسترجاع الحقوق الوطنية الفلسطينية، كان ثمرة جهد مكثف لمناهضة هذه التسوية وبعثرة ملفاتها، قام به على السواء اليمين الاسرائيلي من جهة اولى، وقوى الممانعة المرتبطة بمحور طهران دمشق من جهة ثانية.

لقد أصر منهج الممانعة على رفض التسوية السياسية ورفع شعار تحرير فلسطين كاملة، وعلى استمرار المواجهة المسلحة بمختلف الوسائل وانطلاقا من لبنان والضفة وغزة. لا تلتقي الممانعة مع اليمين المتطرف الاسرائلي القومي والديني، في رفض التسوية السياسية للصراع فقط، بل تتشارك واياه موضوعيا تارة، وبشكل واع تارة اخرى، في شبكة من المفاهيم والسياسات والإجراءات، تجعل العلاقة بينهما برنامجية ومستمرة، وليست فقط تقاطعات مصالح ظرفية. اما المطروح اليوم من محور الممانعة، فهو السعي العاجل لتفعيل مبادرة محور القدس، والسعي لتدشين ما يمكن أن يطلق عليه “الناتو المقاوم”، وذلك عن طريق اتفاقية للدفاع المشترك، تعني أنّ كل عدوان على ساحة من ساحات المقاومة، هو اعتداء على كامل المحور يستوجب رداً من كامل المحور”. المطروح اليوم من محور الممانعة فهو السعي العاجل لتفعيل مبادرة محور القدس والسعي لتدشين ما يمكن أن يطلق عليه “الناتو المقاوم” وذلك عن طريق اتفاقية للدفاع المشترك السؤال الذي يتبادر للأذهان، هو اذا ما كان الناتو المستحدث هو من اجل القدس فعلا ام من أجل طهران؟! واذا ما كانت الممانعة ماضيا، قد مكّنت اليمين الإسرائيلي العنصري، من التحكم بخيارات العدو الاستراتيجية، ليتبنى شعار السلام مقابل السلام، في اتفاقات ابراهام وتضيع الأرض، فهل توحيد ساحات الممانعة سيعيد الارض على طريقة استعادة الجولان، ام انه لن يكون إلا صناعة مستجدة، لوحدة اليمين الصهيوني ومن اجل لم شمله وانقاذه من تناقضاته.

 

المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها