المصدر: صوت لبنان
حرب غزة في لبنان
إن حرب غزة في لبنان هي، كما قلنا منذ اليوم الأول لإندلاعها، حرب الجمهورية الاسلامية الايرانية ضد العدو الاسرائيلي من أراضي الجمهورية اللبنانية بشعبها وأرزاقها وممتلكاتها وأصولها ومدخراتها وتراثها، بواسطة وكلائها في لبنان الذين هم أحزاب المقاومة الاسلامية.
وفوق كلّ ذلك، هي حرب فئوية، ايّ حرب فئة وجماعة ومشروع إقليمي للجمهورية الاسلامية الإيرانية ضد العدو الاسرائيلي، وليست حرباً قومية عربية، لعدم إنخراط الدول العربية فيها، ولا حرباً قومية فلسطينية لعدم إنخراط القوى والفصائل المكوّنة للسلطة الشرعية الفلسطينية فيها أيضاً.
وأبعد من ذلك كله، هي حرب تدميرية عبثيّة بإمتياز، وليست حرباً تحريرية على الإطلاق. لأنها عاجزة عن تحرير أرض فلسطين من العدو الاسرائيلي وعن استرداد القدس وعن محو الكيان الصهيوني عن الخارطة الكونية. بفعل ثبوت إنعدام وحدة الساحات الممانعة منذ لحظة انطلاقة تلك الحرب، وتكاتف العالم الحرّ بالمقابل ومناصرته لدولة إسرائيل منعاً لهزيمتها وسقوطها وإزالتها.
والأخطر مما تقدّم، إنها باتت حرباً مفتوحة وممسوكة من العدو الاسرائيلي لأنه يعتبرها حرباً وجودية بالنسبة اليه. بمعنى أنها لن تعرف أفقاً بعد اليوم ولا نهاية ما دام لم يوفّر العدو الاسرائيلي لذاته أمناً مستداماً للعقود القادمة. حتى لو اقتضى ذلك فرض وصاية عسكرية على لبنان، برّاً وبحراً وجواً، أسوةً بما يفعله في غزة، وذلك مهما بلغت كلفة هذا الواقع على الداخل اللبناني، ومهما أصيب النسيج المجتمعي فيه بتصدّعات ومهما أصيبت مؤسسات الدولة بانهيارات وتفسخات.
وإن لا خلاص من هذه الحلقة التدميرية للكيان اللبناني إلاّ بتحقّق أحد الأمرين :
الأمر الأول : أن تفضّ المقاومة الاسلامية في لبنان إرتباطها العضوي بالجمهورية الاسلامية الايرانية وتسلّم سلاحها الى الدولة اللبنانية وتعود الى الحاضنة الوطنية الداخلية السيادية.
الأمر الثاني : أن يتحقّق إجماع وطني علني وصارخ يشمل قيادات الطائفة الشيعية الروحية والزمنية المعارضة، يدعو المقاومة الاسلامية في لبنان الى فضّ إرتباطها بالجمهورية الاسلامية الايرانية وتسليم سلاحها الى الدولة. وأن تبادر المقاومة للتوّ الى تنفيذ هذا النداء.
وفي كلتا الحالتين ، لا بدّ أن يعود لبنان الى إعمال إتفاقية الهدنة بين لبنان ودولة اسرائيل تاريخ 23 آذار 1949 ، مع ما يستتبع ذلك من وقف للأعمال الحربية بين الدولتين، وإنسحاب جيش الدفاع الاسرائيلي من الجنوب اللبناني، الى الحدود التي رسّمتها تلك الاتفاقية في البند الخامس منها، والتي تمّ وضعها لغرض تنفيذ قرار مجلس الأمن تاريخ
16 تشرين الثاني 1948، الذي دعا الى هدنة في جميع قطاعات فلسطين من أجل الانتقال من حال الهدنة الى السلام الدائم.
وليس في ما تقدّم من مقاربة ومصارحة ومكاشفة من عناصر لاتهام أي أحد بالعمالة للعدو الاسرائيلي،
من زاوية معارضته للحرب التي أُقحم فيها وطنه عنوةً، الاّ من باب التجنّي والاستباحة والافتئات والتضليل والمثابرة على التعمية على الحقيقة والواقع تجاه العموم.
علماً أن المقاومة الاسلامية في لبنان هي التي ألحقت نفسها، ومن خلالها لبنان بأسره، ببلدٍ اجنبي الذي هو الجمهورية الاسلامية الايرانية، بحيث تُسأل دستورياً عن خرقها للسيادة الوطنية. بخاصة وأن عملها المقاوم المقدّر قد انقضى بإنسحاب العدو الاسرائيلي من الجنوب اللبناني في 25 ايار 2000. وأن أعمالها الحربية بعد هذا التاريخ ضده قد إستدرجته لإعادة احتلاله على مرحلتين، في تموز ٢٠٠٦ وحالياً إثر حرب غزة.
بحيث لا يصحّ ضمن هذا الواقع إعتبار تلك الاعمال من فئة العمل الوطني المقاوم بل من فئة الاعمال الواقعة ضمن مقتضيات ومستلزمات إرتباطاتها الخارجية الحاصلة على حساب الدستور ومؤسساته العامة والسيادة الوطنية والارادة الشعبية العارمة والمصلحة العليا للبلاد.
القاضي السابق
والمحامي فرانسوا ضاهـر
المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها