سناء الجاك

الأثنين ٣٠ تشرين الأول ٢٠٢٣ - 13:29

المصدر: سكاي نيوز عربية

حرب غزة ومأزق البطولات

السعي إلى البطولة المطلقة هو ما يحدد مسار الحرب بين كل من إسرائيل وحركة “حماس” في غزة. وهو يحتل أولوية تتفوق على القضية الفلسطينية وتوق أصحابها إلى حقوقهم الإنسانية والسياسية، وأيضا تتفوق على مصالح إسرائيل وعلاقاتها الإقليمية التي اهتزت.

وهذا السعي بات مأزق طرفي الصراع، نراهما وهما لا يتوانيان عن أي جرائم حرب تتجاوز الخطوط الحمر للقوانين الدولية والإنسانية، ويحاولان رمي مسؤولية جرائمهما على الطرف الآخر، يبررانها بأنهما يدافعان ليس فقط عن الأبرياء، ولكن عن جوهر وجودهما، وكأنهما مرغمان على إراقة كل هذه الدماء.

المهم أنهما واقعان في مأزق البطولات التي لا بد منها للاستمرارية، لذا يخوضان حربهما هذه مع حرص على حفظ خط الرجعة وان كلاميا، ولذا يعلن أحدهما جهوزيته لمفاوضات مع تلبية الشروط والاملاءات التي تسلب الآخر أي انتصار وتظهره راضخا مستسلما.

إسرائيل تشير إلى انها لم تبدأ الهجوم البري حتى الساعة، و”حماس” تستجر الهجوم البري لتزيد من حجم انتصاراتها. ووفق ما صرح به مسؤولون إيرانيون، هي تملك الأسلحة اللازمة، كما أن الساحات حاضرة لدعمها عبر الأذرع الإيرانية في المنطقة، إذا احتاجت إلى ذلك.. وفي المعمعة بروفة توسيع الحرب الى الجنوب اللبناني والجولان تسير بين ألغامها.

عدد الضحايا إلى ارتفاع جنوني، ويبدو انه تجاوز العشرة آلاف، يتم استغلاله وقودا للبطولات.

متاريس الإثارة الدينية ترتفع أكثر فأكثر لتبرير المجازر.. مع مزايدات في التباكي على الأرواح التي زهقت، وإنكارالطرفين أنهما شريكان ومسؤولان..

والمجتمع الدولي لا يزال يناقش من الأكثر اجراما. ومعادلاته لا تستقيم.. لا يمكن أن يترجم على أرض الواقع إعطاء الحق لإسرائيل في الدفاع عن نفسها والمطالبة بحماية المدنيين في آن معا.. يستحيل ان نتحدث عن حق الفلسطينيين في دولة لهم وبالأمن والأمان وتقرير المصير.. ونترك لإسرائيل أن تستولي على أرضهم وتتوسع بمستعمراتها وتصطاد المدنيين ولا أحد يحاسبها فتبيد منهم من تبيد وتعتقل منهم من تريد.

هل ينفع الاتكال على محكمة التاريخ؟؟ من يراهن على أن هذه الفظائع لن تمر كما مر غيرها على امتداد هذا التاريخ الذي تكتبه أقلام كثيرة ووفق وجهات نظر متناقضة ويقرأه كل طرف كما ورد في كتابه وليس في كتاب غيره؟؟

الرهان على إقدام أحد الطرفين على رفع راية الاستسلام ليس في منظور المشهد الراهن.. ففي حرب غزة، الواضح ضبابية الأهداف النهائية، كأن الطرفين يعملان على القطعة.. والمجتمع الدولي يبني مواقفه وخطواته بالنظر إلى نتائج كل جولة قتالية.. ولن تتغير الأوضاع قبل سماع صرخة “آخ” يطلقها أحد الطرفين.. حينها فقط يبدأ العمل على النتائج السياسية لهذه الحرب ويبدأ العمل بموجب مبدأ الربح والخسارة..

ولكن دون هذه الصرخة حسابات تفوق إسرائيل التي استكانت إلى الدعم غير المشروط وغير المحدود للولايات المتحدة، وتفوق حسابات “حركة حماس” التي لم تدرك عواقب الضوء الأخضر الذي أعطته إياها إيران لتخرب خرائط المنطقة وتعرقل الخطط التي تحرمها أوراق قوتها..

فاللعب على وتر المشاعر الإنسانية والإثارة الدينية، ربما يستثمره الطرفان في الاستهلاك المحلي، إلا أن الكبار الذين يخططون لمرحلة ما بعد هذه الحرب، يضعون لائحة بمصالحهم يعدلوها مع تطور الأحداث، يضيفون أو يشطبون، يرسمون خرائط المنطقة ومواقع النفوذ.

وهم لا يلتفتون إلى الأهداف الصغيرة لكلٍ من الطرفين، كذلك لا يلتفتون إلى الأثمان الكبيرة لهذه الأهداف الصغيرة.. المهم مرحلة ما بعد هذه الحرب وعملية ترتيب المنطقة بعدها.. وآخر همومهم أن الطرفين غارقان في مأزق البطولات.

المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها