الياس الزغبي

الخميس ٧ أيلول ٢٠٢٣ - 10:35

المصدر: صوت لبنان

حوار أعرج وقرار مشلول

أسوأ ما في الدعوات إلى “الحوار” لجوء بعض المتحمّسين له والمزايدين فيه إلى احتساب عدد النواب الموافقين عليه، فيتباهون بأنهم أكثرية تفوق ال٨٠ نائباً، وبأن الرافضين مجرد أقلية غير مؤثّرة في مسار هذا “الحوار” المفروض من خارج الدستور والأصول البرلمانية في انتخاب رئيس للجمهورية.
وكأنّ هؤلاء حسموا سلفاً وجهة الرئاسة، وكرّسوها ل”الثنائي الشيعي” صاحب الدعوة إلى الحوار المفخخ بمئة لغم ولغم، وغاب عن حسابهم أن رافضيه يشكلون حالة وطنية عابرة للطوائف والأحزاب والمناطق، تعبّر عن وجدان لبناني حر فوق الأرقام والأعداد، وحتّى في لغة العدد، يتمتعون بقواعد شعبية راجحة ذات أكثريات وازنة في طوائفها ودوائرها الانتخابية.
فكيف يصح حوار يتجاهل هذه الوقائع، ويغلّب منطق العدد النيابي الطارئ والمستجمَع بالاغراءات والوعود والعهود، على مبدأ الشراكة والعيش المشترك؟
وإذا كان حساب هؤلاء بهذه السطحية السياسية والبساطة العددية، فليُجروا “حوارهم” السباعي والشكلي، وليذهبوا بعده إلى جلسة انتخاب بدورات مفتوحة كما وعد الرئيس بري.
وإذذاك تتبيّن حقيقة الأرقام والأعداد ونصاب الثلثين، وما يتبقّى من “الأكثرية المستجمَعة”.
وكم كان أفضل للبنان واللبنانيين، وللدستور والأصول والقوانين، وللرئاسة والمؤسسات والاصلاحات، أن يذهب جميع النواب مباشرةً إلى جلسة الانتخاب بدورات مفتوحة، بدون التلهّي بحرق الوقت في حوار خاوٍ لا وظيفة له سوى ذر الرماد في عيون اللبنانيين أولاً، وفي عيون “اللجنة الخماسية” ثانياً، وفي عينَيّ الموفد الفرنسي جان إيڤ لو دريان ثالثاً، بهدف واضح: رفع مسؤولية التعطيل ورميها على الفريق الآخر.
إن المحاولات الدؤوبة التي سارع “الثنائي” وأطرافه إلى توظيفها في دق أسافين الخلاف بين أضلاع المعارضة، وبينها وبين بعض المرجعيات وفي مقدّمها بكركي، ليس من شأنها أن تنجح في فرض رئيس على اللبنانيين تحت ستار “الحوار”، لأن الثوابت التي ترعى علاقة المعارضة في ما بينها، ومع بكركي، وحتى مع تقاطعاتها السابقة، أعلى من أي تقدير عابر، ولا تزال سليمة معافاة، ولا تغيّر مناورات الابتزاز السياسي من طبيعتها، طالما أن هذه الثوابت تنهض على مبدأ السيادة الوطنية ووحدة الشرعية وقرارها الاستراتيجي بسلاح الجيش اللبناني وسائر قوى الأمن والأجهزة، وطالما أن جميع هؤلاء مؤمنون بقرارات الشرعيتين الدولية والعربية، وملتزمون إصلاحات الدستور واتفاق الطائف.
قد يتدارك الرئيس بري هذا الخلل في النصاب الوطني ل”الحوار” فيستنكف عنه، لعلمه أن حواراً أعرج يؤدي إلى قرار مشلول. وسبق له مراراً أن ألغى خطوات سعى إليها بعدما اصطدم بتحفّظ هنا أو ڤيتو هناك، وأدرك أنها تضرب الشراكة وميثاق العيش المشترك.
فهل يناقض نفسه هذه المرة، ويعاند في عقد “حواره” خلافاً لسوابقه؟
لعلً طبّالة “الحوار” وصنّاجته، وعلى رأسهم بري، يدركون مسبقاً أن العرس الحقيقي هو في التئام مجلس النواب للتصويت.
ففي التصويت يكون الحوار المُنتج.
وما عدا ذلك رقص خارج العرس.

المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها