play icon pause icon
منى فياض

منى فياض

الأثنين ٧ آب ٢٠٢٣ - 07:23

المصدر: صوت لبنان

ذكرى تفجير المرفأ الثالثة

لا نجد شبيها لوضعنا المزري سوى في الخيال. عندما حصلت على رواية “الإضراب” للكاتبة Ayn Rand، 

لم أكن أتخيل، أن العالم الغريب المرذول الذي ستقدمه لنا سيكون صورة طبق الأصل عما وصل إليه لبنان بفضل السلطة  الحاكمة

لا أعتقد أن أحدا كان سيصدق أن يصل وضع دولة ما إلى ما وصفته من الفوضى وقلب المعايير والبدع القانونية وتفسيرها بطرق غريبة. 

تتخيل الكاتبة بالتفاصيل كيفية انهيار المؤسسات في بلد تحكمه زمرة لا تبحث سوى عن السيطرة وتمرير الصفقات باسم الأخلاق. طبقة تستغل إيمان الناس بالأخلاق لتستملكهم. وعندما نحاول أحيانا التوجه إليهم بالعقل والحكمة لثنيهم عن ممارساتهم. ننسى ان تخجيل شخص ما من باب الأخلاق، يفترض أنه أخلاقي أولا كي يخجل

في الرواية كما في لبنان، تنهار الأخلاق والقيم جراء احتلال عصابة للبلاد. تتفشى البطالة ويشيع العنف المجتمعي وتتعطل الحياة تقريبا بعد انهيار المؤسسات والمصانع والمعامل والخدمات وشبكة المواصلات، أي شريان الحياة الاقتصادية. يصبح الناس لا مبالين، يسيرون على غير هدى، مستسلمون للعجز، محبطون وضائعون. 

عندما يدير دفة الحكم مجموعة من غير المؤهلين، سنصل إلى دولة بوليسية تقمع حرية الرأي وتراقب الصحافة والأعمال وتفرض تشريعات وعقوبات دراكونية وتفسر القانون بمطاطية لتلغيه تماما. وكما جاء على لسان أحدهم في الرواية: هل تعتقد أننا نضع القوانين لاحترامها؟ القوانين توضع كي تنتهك. وبعد تعطيل قوانين وآليات الرقابة والمساءلة نصل إلى الحضيض وتقفل معظم المؤسسات وتتفاقم البطالة ومعها الانتحار

تصف الرواية دعم السلطة لمشاريع يعرفون تماما أنها تحمل مخاطر كبيرة بالفشل، لكنهم يقرونها لأنها تعود عليهم بالربح. والأمثلة في لبنان لا تنضب من السدود إلى معامل الكهرباء وبواخرها إلى محارق النفايات الى صفقات الفيول المغشوش وغيرها. 

بلغ الاهتراء درجة استحال معها الحصول على خدمة مهندس كفؤ أو قطع غيار لقطار. وأصبح إصلاح الأعطال يتطلب جهودا جبارة. فإلى جانب النقص في المعدات واللوازم، هناك نقص في الكادرات بسبب ظاهرة اختفاء (إضراب) المختصين المهرة ورجال الأعمال الناجحين وأصحاب المصانع والمصارف الفجائي، هربا من ابتزازهم وسرقتهم.  

هنا هاجر مئات الآلاف وهربوا. 

اكتفت الروائية بكارثة انفجار قطار ونفق. لم يخطر ببالها بالطبع أن الكارثة اللبنانية ستكون انفجار المرفأ في 4 آب، فتدمر أجزاء كبيرة من قلب المدينة التراثي ويقتل 230 ضحية وآلاف الجرحى ومئات آلاف المشردين  

وحتى الآن لم تتحقق العدالة ولا نزال بانتظار التحقيق. 

المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها