فرنسوا ضاهر

الجمعة ١٤ نيسان ٢٠٢٣ - 21:49

المصدر: صوت لبنان

ذكرى ١٣ نيسان ١٩٧٥

في ٢٠٢٣/٤/١٣

ذكرى ١٣ نيسان ١٩٧٥ :

إنه يوم إنطلاقة حرب دارت رحاها على أراضي الجمهورية وإتخذت أوجهاً متعدّدة بدءاً من دخول قوات الردع العربية (١٩٧٦) الى إنحصارها بالقوات السورية ومواجهة المقاومة اللبنانية لها لإخراجها من مناطقها (١٩٧٨ الاشرفية و ١٩٨١ زحلة) مروراً بإجتياح إسرائيل للبنان (١٩٨٢) الذي دخلته لإخراج الفصائل الفلسطينية المقاتلة منه ووقف تمدّد نفوذها على أراضيه وحمله على توقيع معاهدة سلام معها، حتى ما لبثت أن أثارت بفعل إنسحابها من الجبل إقتتالاً طائفياً فيه أدى الى تهجير المسيحيين من الشوف وعاليه واقليم الخروب وشرق صيدا (١٩٨٣)، وقد عجزت قوات السلام الدولية المتعددة الجنسيات من إحلال السلام فيه (تفجير مقر المارينز ١٩٨٣)، حتى وصل الى عهد الحكومة الانتقالية التي ترأسها العماد ميشال عون وخاض بها، خلافاً لمدى صلاحياتها الدستورية، ثلاث حروب داخلية عبثية (ما بين ١٩٨٩/٣/١٤ و ١٩٩٠/١٠/١٣) أدّت الى إنعقاد مؤتمر الطائف (١٩٨٩/١٠/٢٢) وصدور وثيقة الوفاق الوطني عنه (١٩٨٩/١٠/٢٢) التي صادق عليها المجلس النيابي المنعقد في القليعات (١٩٨٩/١١/٥) وتحوّلت بنودها الى تعديلات في الدستور اللبناني (١٩٢٦/٥/٢٣) التي أقرّها المجلس النيابي بالقانون الدستوري الصادر في ١٩٩٠/٩/٢١.

ما يعنى أنها كانت حرباً أهلية بإمتياز، مهما قيل في تسمياتها ومهما تعدّدت توصيفاتها ومهما إتخذت من أوجه ومرت بمحطات، رمت في جوهرها الى قلب نظام الحكم في لبنان وتقليص صلاحيات المسيحيين فيه وتحجيمهم وترحيلهم عنه، بفعل قسمتهم على بعضهم (مجزرة إهدن ١٩٧٨) وتهجيرهم (مجزرة الدامون ١٩٧٦ وحرب الجبل ١٩٨٣)، إحقاقاً لمطالب السنيّة السياسية التي إستخدمت القوى الفلسطينية المسلحة اللاجئة الى الأراضي اللبنانية (١٩٤٨ و ١٩٧٠) والمقيمة عليها للانطلاق منها (إتفاق القاهرة ١٩٦٩) لمقاومة المحتل الاسرائيلي، كأداة عسكرية لتحقيق تلك المطالب.

وإن هذه العملية الإنقلابية على نظام الحكم القائم (١٩٧٥/٤/١٣) قد فتح الباب للقوى المعارضة للنظام اللبناني، والتي تمثّلت بالحركة الوطنية (الحزب التقدمي الاشتراكي والحزب الشيوعي والمرابطون ومنظمة العمل الشيوعي وحزب البعث العربي الاشتراكي وجيش لبنان العربي والقوى الفلسطينية وغيرها)، كي تسير هي أيضاً بعملية الإنقلاب تلك، حتى تثبّت نظاماً سياسياً جديداً قائماً على إلغاء الطائفية السياسية.

وإن القوى الفلسطينية مدعومةً من بعض الدول العربية بالمال والسلاح والمرتزقة إذا كانت قد إرتضت لنفسها أن تكون الأداة الإنقلابية على النظام اللبناني، فهو لأنها كانت ترمي الى التوطّن فيه من جهة، وتحويله الى بلد مواجهة مفتوحة بوجه إسرائيل، من جهة ثانية.

وما يثبّت هذا التوصيف للحرب اللبنانية، وإن كانت لها أذرعاً ومآرب وتدخّلات خارجية، هو إنها إنتهت الى تعديلات دستورية منحت الطائفة السنيّة الكريمة والمسلمين عامةً، المناصفة العددية في المجلس النيابي (٢٤/أ دستور)، وأخرجت السلطة الإجرائية من يد رئيس الجمهورية (١٧ و٥٣ دستور ١٩٢٦) وأناطتها بمجلس الوزراء مجتمعاً (٦٥ دستور ١٩٩٠) الذي هو السلطة التي تخضع لها القوات المسلحة (٦٥ دستور).

غير أن الحروب العبثيّة الثلاث التي خاضها آنذاك العماد ميشال عون، كما أسلفنا، هي التي أوصلت الى إنعقاد مؤتمر الطائف والى التعديلات الدستورية التي نشأت عنه وأدّت الى وضع لبنان، بقرار دولي، تحت الوصاية السورية لفترة إمتدّت حتى ٢٠٠٥/٤/٢٦. وكان من مفاعيل تلك الوصاية أن تمّ تشويه تطبيق دستور الطائف على نحوٍ يؤمّن إستمرار النفوذ السوري على الأراضي اللبنانية ويؤمّن إمساكه بمفاصل الحكم في لبنان وفي لعبة التوازنات الطائفية التي تبدّلت بعد تمركز الدولة الإسلامية في إيران وبدء إمتداد نفوذها على الدول العربية بواسطة أبناء الطائفة الشيعية الذين يكوّنون النسيج المجتمعي لكل من تلك الدول.

من هنا، دخلت الشيعيّة السياسية كمعادلة جديدة على الداخل السياسي اللبناني ودخل معها المشروع الممانع الذي تنتمي اليه، ويغذيها ويدعمها ويسلّحها في مواجهة العدو الإسرائيلي الذي يجب إزالته عن الخريطة الجغرافية في المنطقة العربية وإعادة أرض فلسطين الى بنيها.

وإنه لتحقيق هذا المشروع الممانع بكلّ مقتضياته كان لا بدّ من إستخدام سلاح المقاومة الإسلامية في الداخل اللبناني في محطات مفصليّة أدّت الى فرض معادلات سياسية جديدة أضعفت مرتكزات الكيان اللبناني ومقومات صموده وإستنزفت مدّخراته وموجوداته وإحتياطاته حتى وصلت البلاد الى أوضاعها والى الفراغ في السلطة الإجرائية الى الحدّ والمدى اللذان لم يعد من الممكن إعادة تكوينها،
إلاّ على قياس المشروع الممانع ووفق متطلباته ومنهجيته ومطالبه في تكوين السلطات الدستورية في البلاد وفي نظرته لإقتصادها وماليتها العامة.

من هنا، يمكن الإستنتاج بأن لبنان منذ ما قبل ١٣ نيسان ١٩٧٥، وتحديداً منذ نشأته في الأول من أيلول ١٩٢٠ وحتى اليوم، ما زال يعاني من أزمات داخلية قامت كلّها على خلفيّة إسقاط نظامه السياسي الذي أُقرَّ بدستور ١٩٢٦/٥/٢٣. وأن هذه الأزمات ما زالت تتوالى عليه حتى أوصلته الى أوضاع لم يعد بإمكانه لا إستيعابها ولا النهوض منها ولا تجاوزها ولا معالجتها.

بحيث بات يتعيّن على جميع اللبنانيين أن يلتئموا في مؤتمر وطني جامع، برعاية دولية، كي يتوافقوا على نظام سياسي جديد لإنقاذه وإدارته وحكمه على قواعد نهائية ثابتة ومثبّتة توفّر الطمأنينة لجميع أبنائه وتضمن تعدّديتهم وخصوصيتهم وإستقلالهم البنيوي، بحيث يتمّ إنتخاب رئيس جديد للجمهورية اللبنانية من رحم هذا النظام الجديد وبفعل تفعيل أحكامه.

القاضي السابق
والمحامي فرانسوا ضاهـر

المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها