الياس الزغبي

الخميس ٢١ أيلول ٢٠٢٣ - 16:43

المصدر: صوت لبنان

رباعية”… لِمَ لا؟

بعد تعثّر اجتماع “اللجنة الخماسية” في نيويورك، وظهور تباين واضح بين معظم أعضائها والعضو الفرنسي، تبرّع سياسيون وإعلاميون لبنانيون، (وتسرّعوا)، في تشبيه وضع اللجنة بوضع لبنان، بل في قولهم إنها أصيبت بداء التشرذم اللبناني الذي بات معروفاً تحت عبارة “اللبننة” بعد حالة “البلقنة” الشهيرة في شرق أوروبا.
هذا التشبيه لا يصح بين المريض اللبناني والدول الخمس السليمة ذات السياسات والاستراتيجيات المقررة والثابتة.
وحين يستحق عند هذه الدول موقف يجمع أهدافها ويُرضي مصالحها، تلتقي وتتوحد، كما فعلت سابقاً في بيان الدوحة وقبله.
وإذا حدث فعلاً شرخ سياسي بين أحد أعضائها والأعضاء الآخرين يكون الحل بخروج العضو المخالف، وليس بشلل عملها كهيئة دولية ذات مهمات واضحة.
هذا يعني أن فرنسا، على أهميتها كدولة كبرى ذات دور تاريخي في لبنان والشرق، وفي حال إصرارها على التمايز عن الدول الأربع الأخرى، ستجد نفسها في حالة عزلة، ويتضاءل تأثيرها في الأزمة اللبنانية إلى حد التحلل، كما حدث للدبلوماسبة الفرنسية في إخفاقاتها الأفريقية الأخيرة.
ولذلك، فإن مهمة الموفد الفرنسي جان إيڤ لو دريان تبدو معلّقة على مدى انسجامها مع مواقف سائر أعضاء الخماسية، إلى درجة احتمال إلغاء جولته اللبنانية الرابعة المقررة في تشرين المقبل.
وليس من باب الصدفة أن يصل الموفد القطري أبو فهد قاسم آل ثاني فجأة إلى بيروت أمس غداة فشل اجتماع اللجنة الخماسبة في نيويورك، كرسالة شديدة التعبير إلى باريس كي تصحح رمايتها السياسية في لبنان، وتخرج من مناورة إسترضاء إيران و”حزب اللّه” على خلفية مصالح الاستثمار بين مرفأ بيروت وشاطئ الناقورة ومشاريع طهران.
إن الخطأ الكبير، بل الخطيئة التي ترتكبها باريس، أنها تضحّي بقيم الحمهورية والعلاقة التاريخية المميزة مع لبنان أمام المصالح الاقتصادية والاستثمارية، في حين كان من السهل عليها التوفيق اللبق والذكي بين المبادئ والمصالح، لكنها لم تفعل.
وماذا يضير اللجنة الخماسية أن تكون رباعية، خصوصاً أن لإيران مصلحة في الحوارات والترتيبات المفتوحة بينها وبين الولايات المتحدة والسعودية وقطر، أعمق من منافع اقتصادية محدودة مع فرنسا؟
في المحصلة، لا تربح فرنسا من سياستها المتفردة، لا في “حوار بري” المبتور، ولا في مشاكسة الدوحة والرياض وواشنطن، وحتى القاهرة، ووراء هذه العواصم الأربع تترصّد طهران ميزان مصالحها، وقد صدرت عنها إشارات أولى ل”حزب اللّه” بتخفيف غلوائه تمهيداً للنزول عن أعلى الشجرة، بينما يدور بري وميقاتي و”جوقة الحوار” على الفشل وتضييع الوقت والدستور والأصول.
لذلك، ليس في عالمنا المتحرك والمتقدم دول معرّضة للإصابة بداء التشرذم اللبناني، وليس لبنان في موقع القادر على نقل ڤيروسه إليها، سواء كانت دولاً فرادى، أو مجموعة خماسية أو رباعية.
إن لبنان ينتظر دولاً تساعده على الشفاء من علّته، وليس دولاً ينقل إليها عدواه.

المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها