منير الربيع

الأحد ٢٩ تشرين الأول ٢٠٢٣ - 10:40

المصدر: المدن

رهان ذو حدين على الوقت: مساحة لمنع التصعيد والاجتياح البري

ثلاث ركائز لا بد من النظر اليها وإلى مساراتها في ضوء الحرب على قطاع غزة. الركيزة الأولى هي المحاولات الإسرائيلية المستمرة لتنفيذ عملية اجتياح بري إلى شمال القطاع. والركيزة الثانية، هي المفاوضات الدائرة والمستمرة على مستوى دولي وتشمل دولاً عديداً، لكنها تصب في النهاية على خطّ ايران والولايات المتحدة الأميركية.
وكانت طهران وضعت نفسها على الخطّ الأمامي لما يجري من خلال التهديد والتلويح بفتح الجبهات وتطبيق منطق وحدة الساحات، فيما عادت وتراجعت على لسان وزير خارجيتها حسين أمير عبد اللهيان عندما شدد على ضرورة البحث عن وقف لإطلاق النار وحل سياسي وعدم وجود نية لتوسيع الجبهة.
أما الركيزة الثالثة فهي ملف الرهائن، والذي يعمل عليه أكثر من طرف ويحظى باهتمام أميركي وأوروبي كبير، ما يشكل لجاماً للتهور الإسرائيلي في الإجتياح البري.

الرهائن ووساطات الدول
يفترض بهذه الركائز أن ترسم ملامح المرحلة المقبلة، وإذا كان أفق الحرب سيتسع أكثر، مع احتمال تمددها وتوسعها إلى جبهات أخرى بما فيها الجبهة اللبنانية، أم أن مسار التفاوض وإطلاق سراح الرهائن سيتقدم على المعارك العسكرية وبالتالي سيرخي نوعاً من التهدئة أو الهدنة الإنسانية. بحسب ما تشير مصادر متابعة فإن دولاً عديدة تسعى مع حماس لإطلاق سراح الرهائن. وبعد نجاح الوساطة القطرية في إطلاق سراح رهينتين، عادت مصر ونجحت بإطلاق سراح رهينتين أيضاً، فيما هناك مساع تقوم بها كل من تركيا، وروسيا على حدة للمساهمة في إطلاق المزيد من الرهائن، وهذا مدار بحث بين مسؤولين أتراك ومسؤولين من حركة حماس. كما أنه تم البحث بهذه النقطة خلال زيارة وفد حماس إلى العاصمة الروسية موسكو. إيران أيضاً لا تريد أن تكون خارج نطاق هذه الدائرة، وتبدي استعداداً للمساعدة في سبيل إطلاق سراح رهائن مدنيين.

لعبة الوقت
يمكن لهذا المسار إذا ما حقق تقدماً أن يسهم في ترييح الأجواء نسبياً، كما أنه يهدف إلى التخفيف من احتمال تنفيذ الإجتياح البري الكبير والواسع إلى داخل القطاع، وكسب المزيد من الوقت، خصوصاً أنه في تقديرات بعض المسؤولين الدوليين، في حال تم تأجيل الإجتياح البري لبضعة أسابيع، فسيخفف ذلك من الزخم العسكري وسيقلل من حماسة الإسرائيليين للإنخراط في الحرب أكثر، كما أن ارتكاب المزيد من المجازر سيرتد سلباً على الإسرائيليين عالمياً، وبالتالي ستتعزز أكثر المساعي الدولية والديبلوماسية في سبيل البحث عن حلّ سياسي.

بالنسبة إلى البعض فإن ذلك سيجعل حماس الطرف الأقوى فلسطينياً وهي القادرة على خوض مفاوضات التسوية السياسية، وسط استبعاد أي قدرة لدى الإسرائيليين لكسر حماس عسكرياً أو انهائها سياسياً.

الجبهة اللبنانية
لبنانياً، لا يزال الترقب سيد الموقف على وقع المواجهات المدروسة حتى الآن في الجنوب، مع سعي الطرفين الى تجنب الإنخراط في معركة واسعة أو شاملة. في هذا السياق، تبرز مواقف إيرانية تشير إلى أن طهران تلقت رسائل من الأميركيين بأن واشنطن لا تريد تصعيد المواجهة ولا تحويلها إلى إقليمية. وهذا ينطبق على لبنان بالتحديد، على قاعدة رفض الأميركيين أي دخول لحزب الله على خط المواجهة بشكل كبير وموسع، في مقابل عدم رغبة إيران والحزب بذلك لأسباب عديدة. لذلك تبقى إيران هي الطرف الأكثر حرصاً على نجاح المفاوضات أولاً لضمان ثبات حماس وبقائها، وثانياً لتكون هي المفاوض المباشر للولايات المتحدة الأميركية.

رسائل لمنع التصعيد
إنطلاقاً من هذه الركائز، والعمل على مفاوضات إطلاق الرهائن، أو المفاوضات في سبيل الوصول إلى وقف اطلاق النار، مع توفر قنوات خلفية بين طهران وواشنطن، لا تزال المساعي قائمة في سبيل منع اتساع المواجهات في جنوب لبنان، وكسب المزيد من الوقت قبل الإنخراط فيها، وهو ما تسهم فيه دول عديدة، كفرنسا مثلاً، التي سيزور وزير دفاعها لبنان يوم الثلاثاء وسيكون له جولة على قوات الطوارئ الدولية في الجنوب كرسالة لمنع التصعيد. لا تزال إيران وحزب الله عند الخطوط الحمر الخاصة بهما، وهي عدم كسر حماس عسكرياً، وعدم تهجير السكان من قطاع غزة. وطالما الأمور بقيت عند هذا الحدّ، فلن يكون حاجة لدى حزب الله للدخول بشكل موسع في الحرب.

أما الكلام عن مفاوضات حول إخراج قادة حماس من غزة، فتتقاطع مصادر قريبة من حزب الله، كما مصادر أخرى، على نفيه معتبرة أنه غير مطروح على الإطلاق، وهو في الأساس يناقض توجهات الحزب وطهران، وحماس نفسها؛ كما أن توجه قيادات الحركة إلى لبنان سيمثل تحقيقاً للشرط الإسرائيلي، وهذا ما لم تنجح به اسرائيل عسكرياً ولن يُسمح، بالتالي،أن تنجح به سياسياً.

المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها