مصطفى فحص

الأثنين ٢٠ كانون الأول ٢٠٢١ - 17:23

المصدر: الحرّة

روسيا وأوكرانيا.. علاقة بالإكراه

في الأزمة الأوكرانية تتمسك النخب الروسية بطبيعة الهيمنة على جوارها التاريخي، وتربط بين الجيوبولتيكا والعقيدة لتبررها، وهي الآن تستخدمها  للوقوف بوجه خيارات الشعب والدولة في تقرير مصيرهما أو مصالحهما التي باتت خارج الإرادة الروسية، لذلك لا تترد موسكو بفرض خياراتها على الأوكران ولو بالقوة، وآخر خطواتها كان فرض شروط علاقتها مع كييف بالإكراه حتى لو اضطرت على إجبارها على التحالف معها، فموسكو المتوترة جدا من مشاريع توسع الناتو على حدودها، عادت إلى مسوغاتها التقليدية في علاقاتها التاريخية مع أوكرانيا، بأسلوب أقرب إلى زواج تقليدي يفرض دون مراجعة رأي الشريك، وكأن الشراكة مع موسكو مفروضة مهما كان رأي الطرف الآخر.

ترفض النخب الروسية لغة الأرقام. وفي آخر إحصاء جرى في أوكرانيا وافق 62% على الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، 58% على الانضمام إلى حلف الناتو. هذه الأرقام تكشف عمليا رغبة الأغلبية الأوكرانية في التوجه نحو الغرب، في الوقت الذي تتحدث فيه موسكو عن روسيا التاريخية، أو ما يسميه الرئيس بوتين بروسيا الواحدة والتي تضم (روسيا أوكرانيا وبيلاروسيا)، حيث تعمد النخب الروسية، في الحديث عن أوكرانيا، إلى تعويم فكرة الشعب الواحد في  “روسيتين” الكبرى روسيا والصغرى أوكرانيا، وهي محاولة لإلغاء الهوية الوطنية الأوكرانية، أو التعامل معها كمحمية روسية كما جاء في تصريح سابق لمستشار الأمن القومي الروسي نيكولاي باتروشيف.  

توتر صناع القرار الروسي تجاه الناتو وأوكرانيا، يكشف عن أن التهديد لم يصل إلى الحديقة الخلفية لروسيا بل إن أزمة العلاقة مع كييف تمس جوهر العقيدة الجيوسياسية الروسية وفضاءها العام، حيث تكشف تصرفات موسكو عن معركة وجودية تهدد كيان الدولة الروسية – ومستقبل نظام فلاديمير بوتين – التي تخطط للتجديد له في انتخابات 2024. بوتين ونظامه أمام معضلة صعبة لا يمكنها الذهاب إلى انتخابات 2024 من دون أوكرانيا، وهذا يتطلب اتخاذ قرارات صعبة، فالتسوية التي تعطي كييف هامشا من الحرية في خياراتها هزيمة للكرملين، ومن جهة اتخاذ قرار استعادتها بالقوة سيكون أيضا مكلفا على الكرملين.

عمليا أثبتت الأحداث الأخيرة المتسارعة أن موسكو لن تسمح بتجاوز ما تعتبره خطوطا حمراء. وعادت وذكرت الجميع بأزمة الصواريخ الكوبية 1961 وأزمة خليج الخنازير سنة 1962، مؤكدة أنها لن تسمح بوجود بنية تحتية لحلف الناتو على حدودها. وهذا يعني أنها ترفض بشكل قاطع انضمام أوكرانيا لحلف الناتو وهو ما جاء على لسان  نائب وزير خارجيتها سيرغي ريابكوف الذي أكد على رفض بلاده فكرة انضمام أوكرانيا لحلف شمال الأطلسي (الناتو)، وقال “إن تلك الفكرة لا تلائم روسيا نهائيا، وإنها ستواجهها. لذلك تضغط لحل الأزمة بالطرق الدبلوماسية والا ستذهب لخيارات أخرى”.

الانفعال الروسي من الأزمة مع أوكرانيا كشف عن مخاوف تتجاوزها، فقد قدمت موسكو مجموعة من المقترحات لواشنطن يوم الجمعة الفائت، تطالبها بضمانات بعدم توسع الحلف شرقا وبعدم ضم أوكرانيا أو أي دولة كانت ضمن جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق، ومن المستحيل أن تتلقى موسكو تجاوبا أميركيا أوروبيا مع هذه الشروط، خصوصا في الوقت الذي رفض فيه الناتو الخضوع لأي شروط تجاه ضم أي بلد للتحالف، معتبرا أن ما تطالب به موسكو من تعهدات جرت في قمة بوخارست سنة 2008 ليس له أي أسس قانونية. وفي إطار واضح على رفض المناورة الروسية تعهد  الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي “الناتو” بالوقوف بجانب كييف في حال أقدمت روسيا على التوغل في أراضيها.

وعود على بدء، وبالعودة إلى طبيعة الهيمنة الروسية على مجالها الحيوي، يبدو أن موسكو ذاهبة إلى خيارات صعبة ومكلفة، قد تجعل من أوكرانيا ألمانيا جديدة حيث من الممكن أن نشهد جدار برلين جديدا يفصل بينها وبين الأوروبيين والأميركيين، إيذانا بحرب باردة جديدة. 

المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها