منير الربيع

الأثنين ١ كانون الثاني ٢٠٢٤ - 12:27

المصدر: المدن

زلازل 2023: حروب المشرق العربي ولبنان والتهجير الاستراتيجي

لا يمكن حصر جردة الأحداث اللبنانية السنوية، بالعام 2023 وحده. فما يعيشه لبنان هو عبارة عن حلقات متسلسلة تترابط فيها الأحداث وتتشابك ما بين الداخل والخارج. ولذلك فإن العام 2024 سيحمل معه الكثير من ميراث سنة 2023 بكل ما وضعته من أحمال وأغلال، كما كانت هي قد حملت ملفات كثيرة من العام 2022 ولا تزال مستمرة إلى اليوم. فسنة 2022 انتهت على إنجاز لبنان للترسيم الحدود البحرية مع اسرائيل، كما أقفلت على شغور رئاسي لا يزال مستمراً إلى اليوم.
هذه الملفات مستمرة في العام 2024، على وقع التطورات التي يشهدها الجنوب، وكل النقاشات المفتوحة حول ترسيم الحدود البرية وتطبيق القرار 1701، وصولاً إلى استمرار الشغور الرئاسي والبحث في كيفية معالجته.

الزلازل الطبيعية والسياسية
كانت سنة 2023 سنة الزلازل والدمار، زلازل طبيعية وسياسية، فتحت مسارات كثيرة. إذ بدأت بالزلزال الذي ضرب سوريا وتركيا. ما أعاد احياء علاقات كانت مقطوعة بين الدولتين وغيرهما من الدول. فتسارع الدعم الإنساني العربي لسوريا، ما أسس إلى انفتاح سياسي. أما المساعدات التي أرسلت لتركيا، فعبدت فعبدت طريق العلاقة بينها وبين مصر والإمارات. وتختتم سنة 2023 على أعنف حرب تشهدها المنطقة بعد عملية طوفان الأقصى. وهي حرب من شأنها أن تنتج زلازل كثيرة، في السياسة، والديمغرافيا، والجغرافيا، والمسارات العسكرية ومعابر التجارة والملاحة، لا سيما بعد اتساع رقعة التوترات إلى جنوب لبنان والبحر الأحمر وباب المندب، إثر الهجمات التي ينفذها الحوثيون على سفن اسرائيلية، تؤثر سلباً على الملاحة وتفرض على الدول البحث عن بدائل.

استراتيجية التهجير
دمار الزلزال ضاهاه الدمار الإسرائيلي لقطاع غزة، ضمن خطة ممنهجة أفصح عنها الإسرائيليون وهدفها تهجير سكان القطاع إلى الدول المجاورة. وفيما تستمر الحرب بجنونها تستمر المفاوضات السياسية للوصول إلى وقف لإطلاق النار. لكن مسار التهجير والتغيير الديمغرافي سيبقى قائماً. وسيكون عبارة عن سياسة واستراتيجية اسرائيلية طويلة الأمد. إثر اندلاع الحرب، تضامنت جبهات متعددة مع قطاع غزة، فيما سمعت أصوات من قيادات حركة حماس تبدو عاتبة على كيفية تدخل “قوى وحدة الساحات”، معتبرين أن تدخل حزب الله أو غيره لم يكن كافياً لمنع الإسرائيليين من الاجتياح.
حصلت اتصالات لمعالجة هذه الانتقادات. وللمفارقة، أن العام 2023 كان قد شهد في شهر آذار الإعلان عن معادلة وحدة الساحات على لسان أمين عام حزب الله. هذه الوحدة التي طبقت نسبياً إثر الحرب على غزة ولكنها لم تمنع التهجير والتدمير.

السعودية-إيران
على المستوى السياسي الإقليمي، جاء الإتفاق السعودي الإيراني برعاية صينية، ما أرسى نوعاً من التهدئة على مستوى المنطقة. لكنه لم يؤسس حتى الآن لحلول سياسية، فيما أسهم بإيقاف حرب اليمن، الذي يعود ليشهد توترات ذات مستوى عالمي، بعد هجمات الحوثيين البحرية وسعي الأميركيين لبناء تحالف لحماية الملاحة. وهو أمر رفضته السعودية باعتبار أن الإدارة الأميركية رفعت الحوثيين عن لائحة العقوبات، ولم تلتزم باتفاقية حماية الحلفاء لدى تعرض مصالح دول الخليج للخطر، بفعل هجمات الحوثيين على المنشآت النفطية. وربما قد تكون أي عملية دولية ضد الحوثيين فرصة لإعادة إشعال الوضع في الخليج وتهديد مندرجات اتفاق وقف إطلاق النار في اليمن.
ربطاً بالإتفاق السعودي الإيراني برعاية صينية، والتوتر في العلاقة مع الولايات المتحدة الأميركية.. أظهرت الصين بعداً سياسياً لها في منطقة الشرق الأوسط، وصولاً إلى زيارة رئيس النظام السوري بشار الأسد إليها، تم الإعلان بعدها عن اتفاقات كثيرة، بما فيها شمول سوريا في مبادرة الحزام والطريق.
في المقابل، فقد أُعلن عن طريق الهند الذي يربط آسيا بدول الخليج العربي مروراً بإسرائيل باتجاه أوروبا، والذي اعتبر مواجهاً لطريق الحرير الصيني. إثر عودة الأسد من الصين تعرضت الكلية الحربية في حمص إلى أعنف هجوم عسكري، ما أدى إلى سقوط عشرات القتلى والجرحى. وخرج من يعتبر أن التفجير له أبعاد استخبارية تشير إلى انعدام الأمن في سوريا وأن طريق الصين غير آمن. بعدها بيومين، حصلت عملية طوفان الأقصى، والتي أحدثت حرباً كبرى. وقد أخذ ذلك في رد سريع بأنه يشير إلى انعدام الأمن لطريق الهند.

المشرق العربي ولبنان
جاء ذلك في أعقاب حصول تقدم على خط المفاوضات السعودية الإسرائيلية. وبالتالي، وجهت عملية طوفان الأقصى ضربة لهذا المسار، على قاعدة أنه لا يمكن الذهاب إلى أي اتفاق أو حل للقضية الفلسطينية من قبل طرف عربي وحده. وكأن هناك من أراد أن يقول إنه شريك في تقرير مصير المشرق العربي من لبنان إلى سوريا العراق وفلسطين. وهو نفسه ينسحب على ما يجري من البحر الأبيض المتوسط إلى البحر الأحمر، وما بين مضيق باب المندب إلى مضيق هرمز.

ومما شهده العام أيضاً، هو عودة الأسد إلى الجامعة العربية، في مقابل غيابه الكامل عن أحداث غزة وتداعياتها، علماً أن سوريا تتعرض لأعنف الهجمات ضد أهداف إيرانية وتبقي مطاري دمشق وحلب خارج الخدمة لفترات طويلة.

يقبع لبنان في عين كل هذه التطورات وتحولاتها ومساراتها، بانعكاسها على الملف الرئاسي وانسداده المستمر، فيما سُجِّل خرق سياسي يتعلق بالتمديد لقائد الجيش، وبالتالي تمديد ترشيحه، في مقابل خروج حاكم مصرف لبنان رياض سلامة من منصبه. وما بينهما تكثيف عمل اللجنة الخماسية المهتمة بلبنان، للبحث عن حلّ للأزمة الرئاسية وتسوية شاملة. فعقد اجتماعان. الأول، في باريس. والثاني، في قطر.. على أن يعقد اجتماع ثالث في الرياض مع بداية العام 2024 لوضع المواصفات والإطار العام لإنجاز الاتفاق، والذي لا بد له أن يكون من ضمن سلة شاملة تتصل بالانتخابات الرئاسية، وإعادة تشكيل السلطة والتعيينات في المواقع الأساسية، ربطاً بإعادة التهدئة إلى جنوب لبنان، إنطلاقاً من مبادرة أميركية لترسيم الحدود البرية، والذهاب إلى تطبيق الـ 1701 بناء على اتفاق سياسي، كما كان الوضع بين 2006 و2023، وإطلاق عمليات التنقيب عن النفط والغاز مجدداً، من دون إغفال احتمالات بقاء المناوشات الجنوبية لفترة طويلة، وإمكانية تحولها إلى معركة واسعة أو معركة استنزاف، يغلب عليها طابع العمليات الأمنية في موازاة التفاوض للوصول إلى اتفاق يرسي الاستقرار.

المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها