المصدر: الدستور
سوريا بين الفرصة التاريخية وشبح الانفلات والتقسم
من بين أكبر المشاكل التي تواجه سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد المشكلة المرتبطة بإعادة تعريف العلاقة بين الدولة والسلاح بطريقة تجعل القوة في يد الدولة الوطنية فقط، لا في يد الفصائل أو الجماعات المسلحة.
هناك فوارق جوهرية لا يمكن تجاهلها عند الحديث عن الفصائل السورية المسلحة، وخاصة الفوارق المرتبطة بالأهداف والطموحات، إذ إن بعضها مثل «قسد» التي لم تشارك في المعارك ضد قوات النظام السابق، أولوياتها الحفاظ على مناطق سيطرتها شمال شرق سوريا وشرق الفرات، ورغم كل ما يقال عن وحدة الأراضي السورية، إلا أن حلم الدولة الكردية يشكل هدفاً رئيسياً لهذه القوات، أما «قوات الدفاع الذاتي» في السويداء، فكل ما يجري يشير إلى محاولات واضحة للخروج بحكم ذاتي للدروز، فيما الفيلق الخامس في درعا ما زالت عينه على السلطة في دمشق، وكل ذلك يضاف إلى الاختلافات المرجعية المرتبطة بفصائل عملية «ردع العدوان» القادمة من الشمال.
في مواجهة هذا المشهد المعقد، والذي أثار قلق المنطقة، أكدت الإدارة السورية الجديدة منذ دخولها دمشق توجهها نحو حل الفصائل، ودمجها ضمن جيش وطني، وهذا الأمر قد ينطبق بشكل أساسي على فصائل «ردع العدوان»، أما الفصائل الأخرى، فهذه قصة أخرى مختلفة تماماً، فالواقع السوري يواجه تحديات الانفصال وطموحات السيطرة على السلطة.
الطريقة التي ستتم فيها عملية دمج الفصائل المسلحة بالجيش الوطني هي التي ستحدد نجاح هذه العملية أو فشلها، فالدمج التقليدي الذي يتم عبر الإبقاء على الفصائل كمجموعات متماسكة سيؤدي إلى استمرار تكتلها بشكل مستقل داخل الجيش، وهذه المعضلة لا يمكن معالجتها جذرياً إلا بالتذويب وليس الدمج، أي تفكيك الفصائل وتوزيع أفرادها على كافة كتائب وفرق الجيش الوطني، وخلط القيادات العسكرية، وإعادة التوزيع الجغرافي، بشكل يضمن إلغاء الروابط التنظيمية القديمة، ويمنع ظهور نزعات انقلابية أو انفصالية، وذلك لتعزيز الانتماء للدولة الوطنية، وبناء جيش قائم على عقيدة وطنية واحدة.
التجربة السورية لا تتحمل أخطاء جديدة، وأي خطأ قد يطلق شرارة صراعات وحروب أهلية، لا أحد يمكنه التنبؤ بنتائجها وتداعيات ذلك على استقرار كافة دول المنطقة، والتجارب العربية تقدم دروساً هامة لسوريا حول مخاطر عدم توحيد السلاح، وتذويب الفصائل، فمن العراق إلى السودان وليبيا، ما زالت الصراعات وعدم الاستقرار يفرض نفسه رغم مرور سنوات على سقوط الأنظمة السابقة.
الدول العربية عليها تحمل مسؤولياتها في هذا الجانب، من خلال التعاون مع القوى الإقليمية والدولية بما في ذلك تركيا التي توفر الرعاية للعديد من الفصائل أو الولايات المتحدة الأمريكية الداعمة لقوات «قسد»، لإنهاء وجود أي كيانات عسكرية مستقلة، وإعادة بناء قوة عسكرية جديدة تحت قيادة مركزية موحدة، باعتبار ذلك ضرورة استراتيجية للأمن القومي العربي وتحقيق الاستقرار في المنطقة، إلى جانب الدفع نحو مبادرات لإنشاء آليات دعم لوجستي وسياسي للمصالحة، وتقديم الدعم الاقتصادي وإعادة الإعمار.
سوريا اليوم أمام مفترق طرق تاريخي، فإما أن تختار تعزيز الدولة الوطنية واحتكار السلاح عبر التذويب الفردي للفصائل المسلحة، أو أن تستمر في مسار الانقسامات الذي سيؤدي حتماً إلى الفوضى والتقسيم، ونجاح هذه العملية يتطلب إرادة وطنية حقيقية ودعماً إقليمياً ودولياً بعيداً عن لغة المصالح الآنية، والنظر لما هو أبعد من ذلك.
بالمحصلة، اللحظة الحالية تمثل فرصة قد لا تتكرر ليس لسوريا وحدها بل للمنطقة، وأي تأخير أو تردد قد يكلف الجميع عقوداً أخرى من الصراعات والحروب.
المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها