مصطفى فحص

الأثنين ٨ حزيران ٢٠٢٠ - 09:05

المصدر: الحرة

سوريا… صراع بين قيصرين

تاريخيا لم تستطع آلة الحرب السوفياتية حسم مواجهتها مع “المجاهدين” الأفغان، الذين تنقلوا كالأشباح في جبال ووديان أفغانستان الوعرة. وبعد 6 سنوات على الغزو تمكنت الفصائل من قلب الموازين العسكرية لصالحها تدريجيا بعد حصولها على صواريخ أرض ـ جو “ستينغر” التي عطلت التفوق الجوي السوفياتي وكانت أحد أهم عوامل الهزيمة في أفغانستان.

في سوريا رفضت إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما تسليم فصائل الجيش السوري الحر صواريخ مضادة للطائرات، ما سمح للقوات الجوية الروسية حسم جزء كبير من المعركة لصالحها بعد 4 سنوات على تدخلها، لكنها بالرغم من انتصاراتها الميدانية لم تستطع تحقيق انتصارها السياسي وإنهاء الصراع على سوريا لصالحها.

فبعد 9 سنوات على الثورة، وأربع على تدخلها المباشر، تواجه قوات القيصر الجديد أشباحا من نوع آخر، لا تملك لا القدرة على مواجهتها ولا إمكانية هزيمتها. فسلاح العقوبات الأميركية المعروفة بقانون “قيصر” الذي دخل حيّز التنفيذ مطلع هذا الشهر، ينقل الصراع على سوريا إلى مواجهة من نوع آخر لا تعتمد على الترسانة العسكرية ولا على الدبلوماسية الدولية، حيث قوة الضغوط الاقتصادية التي سيطبقها قانون “قيصر” على النظام السوري وحلفائه، كفيلة بإفراغ كافة انتصارات هذا الحلف الجيوسياسية والعسكرية من مضمونها، وتعيده إلى نقطه البداية أي بحث مستقبل النظام ورأسه.

تدرك موسكو جيدا أن طريق الحل في سوريا لم تعد سالكة، وأنها الآن مليئة بمطبات “قيصر” وشروطه التعجيزية، وأن النكسات على مشروعها تتوالى، بعدما طوت واشنطن فكرة إعادة تعويم الأسد، وقطعت الطريق على محاولة أوروبية ـ عربية لإعادة تأهيل النظام، ووضعت خطوطها الحمر حول عودة النظام السوري إلى الجامعة العربية، ولم تعترف بمسار أستانا كبديل عن مسار جنيف، بالرغم من أن كافة الأطراف قد وضعت بنوده على الرف، وهي الآن تدق المسمار الأخير  في نعش الرؤية الروسية للحل من خلال فرض عقوبات صارمة ليس فقط تقضي على مشاريع إعادة الإعمار بل باتت بمثابة حرب اقتصادية شاملة على محور دولي وإقليمي، تضع كل حركته تحت مجهر عقوباتها، دون اعتبار لكافة التحولات السياسية والعسكرية في سوريا.

حجم عدم اكتراث واشنطن بما تعتبره موسكو بحكم المسلمات الاستراتيجية، عبر عنه مساعد وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى ديفيد شنغير الذي طالبها بمغادرة سوريا، شنكير قال في آخر تصريح له قال “أعتقد أن إدارة أوباما رحبت بدخول روسيا إلى سوريا، معتقدة أنها ستضع موسكو في موقف صعب، ولكن روسيا قلبت مسار الحرب وسمحت لنظام الأسد بالبقاء هناك حتى الآن وإبقاء روسيا بعيدة عن الشرق الأوسط هو حجر الأساس في السياسة الأميركية منذ 45 عاما”.

تحت ضغوط “قيصر” والعقوبات، سارع الكرملين إلى إعادة هيكلة حضوره في سوريا عبر ترقية سفيرها ألكسندر يفيموف وإعطائه امتيازين، الأول صفة سفير فوق العادة، يمسك بصلاحيات تخوله توقيع الاتفاقيات وإجراء المشاورات دون الرجوع إلى خارجيته، والثاني تسميته مبعوثا خاصا للرئيس روسي، وهي ميّزة نوعية تؤهله إلى أن يوقع الاتفاقيات ويتخذ القرارات باسم الرئيس الروسي مباشرة دون الرجوع لأي جهة أو مؤسسة رسمية في بلاده، وهي صلاحيات تضع توقيعه إلى جانب توقيع رئيس النظام السوري، ما يؤهله إلى التصرف كمندوب سامي يملك صلاحيات ما فوق السيادة الوطنية السورية.

هذا التحول في الهيكلية الروسية في سوريا، يعزز الاعتقاد بأن موسكو ماضية في سياسة الاستحواذ الكامل على ما تبقى من الدولة السورية، وتعمل على تثبيت حضورها لأمد طويل على حساب الأطراف الأخرى، التي اعتمد تدخلها في سوريا على مبررات المشاركة مع نظام الأسد، بينما تصرفات موسكو الأخيرة تؤكد أن ليس لديها أيه اعتبارات لا للنظام ولا لرئيسه.

قرار الكرملين تعيين مندوب خاص للرئيس في سوريا، هو إعلان عن بداية مرحلة ثالثة من تدخلها، التي بدأت أولا مع بداية الثورة سنة 2011 عبر حراكها الدبلوماسي من خلال وزير خارجيتها سيرغي لافروف ونائبه لشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا مخائيل بغدانوف الذي شارك في مفاوضات جنيف، أما المرحلة الثانية فقد بدأت عندما قررت موسكو التدخل العسكري المباشر في سبتمبر 2015 ونقل ملف سوريا إلى وزارة الدفاع عبر الثنائي وزير الدفاع سيرغي شيغو ومبعوث الرئيس الخاص لسوريا ألكسندر لافرينتييف القادم من خلفية استخباراتية ويعتبر من مهندسين مسار أستانا، إلا أن المسارين السابقين والمسار الجديد لم ولن يوفروا لموسكو حلولا ترضي قيصرها بعدما باتت كل حلوله عاجزة على مواجهة شبح يحمل الاسم ذاته.

المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها