فرح منصور

الخميس ١٣ تموز ٢٠٢٣ - 18:22

المصدر: المدن

صندوق القضاة مهدد بالإفلاس.. والتعويض من موقف سيارات المحامين!

تشهد الدولة اللبنانية أخطر انحلال يضرب مفاصلها. فالشلل المؤسساتي في طريقه مرة جديدة لاقتحام السلك القضائي، بعدما بدأ التلويح بإفلاس صندوق تعاضد القضاة. ما يطرح تساؤلاً جدياً عن مصير هؤلاء القضاة وعن احتمال العودة إلى الاعتكاف القضائي.

إفلاس الصندوق؟
منذ أشهرٍ، حاول القضاة دق ناقوس الخطر، بعد أن جرى تداول معلومات تؤكد دخول صندوق تعاضد القضاة في نفق الإفلاس. الأمر الذي أجبر النائب العام المالي، علي ابراهيم، على التنقيب عن مصادر أخرى لتغذية الصندوق وتجنب إعلان إفلاسه، طالما أن تداعياته ستكون خطيرة على الجسم القضائي ككل.
ففي أيار الماضي، تأخرت المنحة الشهرية المخصصة للقضاة، التي تُقدم لهم شهرياً من صندوق تعاضد القضاة، فلوحوا بالعودة إلى الاعتكاف القضائي.

وهذه المنحة الشهرية ناتجة عن اتفاق شفهي بين رئيس مجلس إدارة صندوق تعاضد القضاة، القاضي علي ابراهيم، وبين حاكم مصرف لبنان، رياض سلامة، الذي يقضي بتسديد رواتب القضاة على سعر صرف 15 ألف ليرة لبنانية وبتقديم بعض المساعدات الشهرية.

رسوم إضافية
وتداركاً للإفلاس، وتجنباً لعودة القضاة إلى الاعتكاف القضائي بعد انتهاء العطلة القضائية في 15 أيلول المقبل، قرّر ابراهيم تغذية هذا الصندوق من “جيوب المحامين”، عبر استيفاء رسم 100 ألف ليرة عن كل سيارة تقف في الموقف المشترك بين وزارة العدل ونقابة المحامين في بيروت، إضافة إلى التخلي عن عمال الموقف، الذي كانوا يسهلون عمل المحامين داخله.

هذا الأمر وإن دل على شيء، فعلى اليأس والقحط وعلى أسوأ مرحلة من مراحل تفكك مؤسسات الدولة اللبنانية ومرافقها. سيما أن قرار ابراهيم أحدث بلبلة كبيرة داخل نقابة المحامين، وأثار حفيظة نقيب المحامين ناضر كسبار، خصوصاً أن القرار اتخذ من دون أن يتم إعلامه أو مناقشته بهذه الرسوم الفجائية، فلم يكن على علم به إلا بعد بدء تنفيذه، يوم الثلاثاء 11 تموز.

على هذا الأساس، انتفضت نقابة المحامين ورفضت قرار ابراهيم، وعقدت اجتماعاً مع وزير العدل، القاضي هنري الخوري، والقاضي علي ابراهيم، يوم أمس، الأربعاء 12 تموز، سعياً منها لإلغاء هذا القرار وإيجاد الحلول البديلة.

ووفق معلومات “المدن” لم يلغ القرار نهائياً. بل جرى الاتفاق على متابعة النقاش خلال الأيام المقبلة.

تغذية الصندوق
في المقابل، إصرار ابراهيم على تغذية الصندوق عن طريق فرض الرسوم على المحامين هو دليل واضح على إفلاس هذا الصندوق. وهنا يجب أن نذكر أنه يتغذى من مصادر عدة، وهي رسوم الدعاوى، محاضر مخالفات السير، وغرامات الأحكام، والطوابع، إضافة إلى مبلغ مقتطع من وزارة المالية.

في الآونة الأخيرة، جرى استبدال طابع 1000 ليرة لبنانية بطابع 100 ألف ليرة لبنانية، وهو الموضوع الذي أثار جدلاً واسعاً داخل السلك القضائي ونقابة المحامين. إذ اعتبره البعض بأنه مخالفة جسيمة للقانون اللبناني، فهو يسعى لتحصيل مبالغ ضخمة غير قانونية لتغذية الصندوق. كما فُرضت بعض الرسوم على جميع إخلاءات السبيل، وأثناء تقديم أي دعوى أو مذكرة.

بدوره، استنكر نقيب المحامين، ناضر كسبار، هذا القرار، وطلب من المحامين الامتناع عن الدفع مؤكداً في حديثه لـ”المدن”: “أنه لن يسمح بأن يؤخذ من أي محام أي ليرة لبنانية”.

وشرح كسبار لـ”المدن” تفاصيل الاجتماع الأخير، مؤكداً أنه رفض اقتراح وزير العدل والقاضي ابراهيم، الذي يقضي بتحديد رسوم خاصة للمحامين، غير أنه اقترح بعض الحلول البديلة والتي تقضي بإجراء بعض التعديلات على بعض المواقف، في حين شدد على أن “تغذية الصندوق عبر المحامين هو أمر خارج النقاش ولن يسمح به”.

محامون كثر اعترضوا على هذا القرار، كما لجأ بعضهم إلى التفتيش عن مكان آخر لركن سياراتهم خارج قصر العدل ونقابة المحامين.

ووفقاً لمعلومات “المدن”، فإن عقار موقف السيارات ملك وزارة الأشغال، التي وافقت مؤخراً على استثماره من قبل القضاء اللبناني وفرض الرسوم على المحامين.

وأخطر ما في هذا الأمر، هو مصير هذا الصندوق في نهاية شهر تموز، بعد انتهاء ولاية الحاكم. والأسئلة التي لا تزال إجاباتها ضبابية: هل سيصبح الاتفاق الشفهي بين ابراهيم وسلامة باطلاً؟ وهل سيستمر احتساب رواتب القضاة على سعر صرف 15 ألف ليرة لبنانية؟ وكيف سيكون مصير الاعتماد المالي من الموازنة العامة المخصصة لتغذية صندوق تعاضد القضاة في ظل غياب سلامة؟

المشهد اليوم خير دليل على مسار الفوضى الذي سيضرب السلك القضائي خلال الأسابيع المقبلة، وكل الخوف من أن تتحول قصور العدل إلى بؤرة للفوضى بصورة مماثلة لباقي المرافق العامة العائدة للدولة اللبنانية المفلسة.

المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها