علي شندب

الأربعاء ٣١ آذار ٢٠٢١ - 08:33

المصدر: صوت لبنان

عون المهجوس بإخراجه والسوخوي الروسية

“الحريري هو من يحاول أن يحرجي ليخرجني”. عبارة للرئيس اللبناني ميشال عون في حديثه لصحيفة الجمهورية. عبارة تصدرت العواجل الاخبارية وتقدمت حتى على انسداد قناة السويس وفتحها. رغم أن عون قصد فيها إخراجه عما وصفه بـ “قواعد التشكيل السليمة” للحكومة. ويبدو أن إخراج عون من الحكم شكّل ولم يزل عقدة الرجل الذي أخرجه سلاح الجو السوري المولج بإزالة العوائق التي تعترض انطلاق تسوية اتفاق الطائف الذي أقر عام 1989 برعاية وضمانة سورية، سعودية، فرنسية وأميركية. انه الاتفاق “المؤتمن على الوحدة الوطنية وعلى السلم  الأهلي في لبنان” كما صرح السفير السعودي وليد بخاري ومن منبر القصر الجمهوري.

إخراج رئيس الحكومة العسكرية ميشال عون من قصر بعبدا ذات 13 تشرين مضى، ولجوئه الى السفارة الفرنسية حيث تلا منها صك استسلامه، طالبا من ضباطه وجنوده المهزومين التزام أوامر وتعليمات قائد الجيش اللبناني العماد آميل لحود، الذي أنتجه اتفاق الطائف. ليبحر بعدها الجنرال المهزوم (الذي كان قد أبلغ السفير الفرنسي في بيروت رينيه ألا “اعتبر أني هزمت”) على متن فرقاطة فرنسية الى باريس، وبات عون قضية تتعلق بشرف فرنسا كما قرّر يومها الرئيس الفرنسي فرنسوا ميتران. ويومها بدت عملية ترحيل عون أشبه بعملية إجلاء دولة أجنبية لرعاياها.

وبدا سلوك عون الذي أعادته دماء رفيق الحريري الى لبنان مهجوسا بأحداث 13 تشرين التي أصبحت ذكرى مناحة سنوية للحالة العونية في لبنان، لكنها لم تصبح كذلك من أحزاب الحركة الوطنية وحركة أمل الذين رفع مقاتليهم شارات النصر في وزارة الدفاع وعلى أنقاض قصر بعبدا المدمر. وفيما ولج قادة الحركة الوطنية الى دولايب الدولة وعجلات السلطة مزهويين بالنصر على غريمهمم ميشال عون، أمسك العونيون راية 13 تشرين، وانخرطوا في مشروع نضالي يقوم على “الثأر والانتقام” اللذين لم يسقطهما تقادم الزمن وعودة ميشال عون الى قصر بعبدا.

“استعادة حقوق المسيحيين” تلك اللافتة التي حكمت سلوك ومواقف التيار الوطني الحر ومؤسّسه ميشال عون ورئيسه الحالي جبران باسيل. انها اللافتة التي تعني تفردهم في الإمساك “بتمثيل المسيحيين” عبر الاستحواذ التناصفي ليس على وظائف الفئة الاولى كما ينص الدستور، بل حتى على حجاب المدارس ونواطير الأحراش خلافا للدستور. انها الحقوق التي لشدة تحصيلها أخرجت المسيحيين قبل المسلمين الى الشارع مطالبين باستعادة الاموال المنهوبة.

لكن “استعادة حقوق المسيحيين” تعني استعادة صلاحيات رئيس الجمهورية التي سطا عليها اتفاق الطائف وفق مفهومهم. ولأن هذه الاستعادة متعذرة دستوريا، فقد عمدوا الى ممارستها عمليا من خارج الدستور، عبر خلق أعراف منقلبة على الطائف سيفضي تكرارها الى تسهيل دسترتها عند اهتزاز نسبة توازن القوى لمصلحتهم.

ومن هذه الزاوية يتبدى بوضوح أن الرئيس عون وكل فريقه السياسي مصابون بعقدة تسوية الطائف ودستوره الذي حول بعض صلاحيات الرئاسة الى مجلس الوزراء مجتمعا. ومكمن العقدة أن هذه الصلاحيات حُوّلت في لحظة كان عون نفسه يمسك بعنق المسؤولية الدستورية، وأن لا شيء يحرّر عون والعونيين من هذه العقدة سوى استعادة “الصلاحيات العونية السليبة”. وأن إمساك عون بعنق المسؤولية الدستورية الأولى نتيجة “التسوية المشؤومة” على لبنان مع سعد الحريري برعاية حزب الله دون حركة أمل هو الفرصة الوحيدة المتاحة كي يعيدوا عقارب السنين الى ما قبل 13 تشرين.

وبالنظر الى ما فجرته 17 تشرين من غضب مكبوت بوجه منظومة الفساد والمال والسلطة والسلاح، والى نشيد “الهيلا هيلا هو” الذي ميّزت به جبران باسيل عن بقية المنظومة، نزل سعد الحريري عن كرسي السرايا استجابة لمطالب 17 تشرين واعلن استقالة حكومته. انها الاستقالة التي وجد فيها رافعي شعار استعادة حقوق المسيحيين فرصتهم وضالتهم معا. وقد دفع قرار كتلتي التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية، كل لأسبابه، بعدم تسمية سعد الحريري في الاستشارات النيابية الملزمة لاعادة تشكيل الحكومة، دفع الحريري للاعتذار عن تشكيل الحكومة لعدم حيازته على التكليف المسيحي الوازن. ما مهّد الطريق لاعادة منصب رئيس مجلس الوزراء الى موقع “الباش كاتب” كما يعمل جبران باسيل.

وهكذا ولج حسان دياب الى رئاسة الحكومة معيّنا من ح-ز-ب ا-ل-ل-ه وذراعه المسيحي التيار الوطني الحر، الذين لم يكترثوا للأكثرية السنية الوازنة، بل وبلعوا مقولتهم غير الخالدة حول اختيار “الرئيس القوي” في مكونه الطائفي. ورغم أن حسان دياب بدا عاريا من أي رداء سني، فقد قبل أن يفرضوه على طائفته قبل رئاسة الحكومة. انه التعيين الذي عمّق الإحباط وكثّف الغضب تجاه ممارسات عون وفريقه السياسية، لكن انفجار مرفأ بيروت الهيروشيمي كان القشة التي قسمت ظهر العهد المتشظي وحكومة نصرالله باسيل معا.

يبدو أن سعد الحريري تعلّم من دروس باسيل الإقصائية. وبنتيجة استشارت نيابية ملزمة استعاد الحريري زمام التكليف بتشكيل الحكومة مطيحا بعدم تسميته من قبل التيار العوني والقوات اللبنانية، ومعتبرا أن تسميته من قبل تيار المردة برئاسة سليمان فرنجية وعدد من النواب المسيحيين المستقلين يؤمن الميثاقية المسيحية. وانطلق الحريري لتشكيل حكومة مهمة مكونة من اختصاصيين غير حزبيين وفق المبادرة الفرنسية.

لا داع للاسترسال في شرح أداء وسلوك رئيسي الجمهورية والتيار العوني الهادف على نحو مهين الى دفع الحريري للاعتذار عن تشكيل الحكومة عبر وصفه بالكاذب تارة، ومطالبته بتعبئة الفراغ طورا.

ويبدو أن لعبة الثأر والانتقام باتت كرقصة التانغو، مستحكمة بين طرفي استيلاد الحكومة بغض النظر عن مآلات انهيار الوضع الاقتصادي والاجتماعي والنقدي والمالي ومهدداته التي وصلت حد اهتزاز الأمن الغذائي، والاقتتال بالسلاح الأبيض داخل محلات بيع المواد الغذائية المدعومة من أجل علبة حليب أطفال او كرتونة بيض أو ربطة خبز.

لكن عون المسكون بعقدة إخراجه من الحكم، تحوّط هذه المرة جيدا، فخبّأ تحالفه غير الأبيض مع ح-زب ا-ل-ل-ه ليومه الأسود، سيما وأنه يدرك أن ح-ز-ب ا-ل-ل-ه بات المهيمن على كل أحزاب الحركة الوطنية، تماما كما بات الوريث الوحيد لكل قوة سوريا عندما كانت في لبنان، ولهذا فإنه يعتبر نفسه في مأمن عن إخراجه القسري من قصر بعبدا، ولهذا وضع وصهره باسيل كل بيضهما تحت عباءة سيد ح-ز-ب ا-ل-ل-ه حسن نصرالله.

انها العباءة التي رفعها عنهما البطريرك الماروني بشارة الراعي بقوله “لم يكن هذا الصرح البطريركيّ يوما مؤيدا لأي مسؤول ينأى بنفسه عن إنقاذ لبنان وشعبه. لم يكن هذا الصرح يوما مؤيدا لسلطة تمتنع قصدا عن احترام الاستحقاق الدستوريّ وتعرقل تأليف الحكومات، لم يكن هذا الصرح يوما مؤيدا لجماعات سياسية تعطي الأولوية لطموحاتها الشخصية على حساب سيادة لبنان واستقلاله”.

وقد ذكّرت عظة البطريرك الراعي في أحد الشعانين والمواقف النارية التي تضمنتها، بتلك التي أطلقها سلفه الراحل البطريرك صفير عشية التوقيع على اتفاق الطائف. ويومها تعرضت بكركي لغزوة عونية عبثت بالصرح وسيّده، وهو العبث الذي أحدث ندوبا عميقة لم تندمل بعد.

ويرجح أن العبثية كما وصفها وتراجع عنها وليد جنبلاط، غير آبهة بتقريعات المجتمع العربي والدولي وديبلوماسييه في لبنان. وأن هذه العبثية ترى أن مفاصل استعادة حقوق المسيحيين تتمثل في لي لسان بكركي وكسر صولجانها، توازيا مع تصفير قوة رئيس الحكومة واعادته مجرد باش كاتب.

لكن هل الترتيبات الأمنية التي تدوّر روسيا زواياها جنوبي لبنان وسوريا مع اسرائيل، ربما تستوجب فرض السوخوي الروسية (بعد عقوبات اوروبية خليجية لوّح بها وزير خارجية فرنسا جان ايف لودريان على المسؤولين اللبنانيين) تسوية اقليمية دولية يتوجسها عون في لبنان، على غرار تلك المرتقبة في سوريا؟

المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها