الياس الزغبي

الأحد ٢٣ نيسان ٢٠٢٣ - 09:43

المصدر: صوت لبنان

غضب باريس تحت صلابة اللبنانيين

سواء كان التناقض المعلن بين فريق الآليزيه ووزارة الخارجية الفرنسية، في شأن الترشيح للرئاسة اللبنانية، حقيقةً تعكس التخبط في مقاربة هذا الشأن، أو مجرد تكتيك ومناورة لاحتواء الرفض اللبناني والتحفظ العربي والأميركي، فإن مآل الاحتمالين هو نفسه: صعوبة، وربما إستحالة تسويق مرشّح “الممانعة” بمركزها طهران وفرعَيها دمشق وضاحية بيروت.
ومشكلة باريس الحقيقية ليست فقط مع شركائها الأربعة، السعودية والولايات المتحدة وقطر ومصر، الذين يتحفظون في منح إيران ورقة لبنانية صافية، بل في الأساس، مع القوى السياسية اللبنانية الوازنة، خصوصاً الأحزاب المسيحية ومجموعات نواب مستقلين، مسلمين ومسيحيين، لا يمكن الاستهانة بقدرتهم على التكتل وتشكيل العدد الكافي (٤٣ نائباً) لنسف نصاب الثلثين الدستوري وقطع الطريق على تمرير “رئيس فرنسي ممانع”.
وقد تكون هذه العقبة هي التي أثارت حفيظة “فريق الآليزيه”، ودفعته إلى رفع سقف خطابه الغاضب والمتوتر وغير الدبلوماسي الذي سرّبته اليوم صحيفة “الشرق الأوسط”، ويعبّر بوضوح عن “الحنق الماكروني” على تعثّر النهج المريب الذي انتهجه الرئيس ماكرون منذ زيارتَيه المتلاحقتين إلى بيروت بعد تفجير المرفأ، وموجزه تعويم السلطة السياسية الفاسدة تحت حماية سلاح “ح-ز-ب ا-ل-لّ-ه”.
لم تستطع باريس، منذ ذلك الحين، تقديم حلول متوازنة بين المكونات اللبنانية، من خارج سطوة السلاح غير الشرعي، تُعيد القرار السيادي والإصلاحي للدولة اللبنانية. بل كشفت دوافعها الحقيقية لمبادراتها، وهي مصالحها الاستثمارية في إيران، وفي آبار جنوب لبنان ومرافقه كالمرفأ والبريد وسواهما.
لقد ولّى زمن المبدئية الفرنسية في احتضان لبنان كقيمة حضارية في شرق المتوسط يمتد فعلها شرقاً وغرباً كمختبر تلاقٍ وتثاقف وحوار، منذ مرحلة الارساليات والانتداب والفرنكوفونية إلى مرحلة شارل ديغول وجاك شيراك، وحلّت محله براغماتية المصالح الاقتصادية والاستثمار، خصوصاً بعد خيبات السياسة الفرنسية في أفريقيا والشرق، وحتى داخل أوروبا نفسها.
إن الوعي السياسي الوطني في لبنان تخطّى مرحلة الحنين العاطفي إلى “الأم الحنون”، ولم يعُد المسيحيون تحديداً مأخوذين بالسحر الفرنسي، وهم يملكون من حرية قرارهم ما يكفي لمواجهة ما يؤذي وحدة لبنان ورسالته التاريخية، ويقطعه عن عمقه العربي وانتسابه الحضاري إلى العالم.
لم تنجح سابقاً مؤامرات تحويله إلى وطن بديل بعد شحن أبنائه الأحرار على متون بواخر النزوح، ولن تنجح اليوم مؤامرة بيعه إلى “محور الممانعة” على متن سلاح “ح-ز-ب ا-ل-لّ-ه” ومصالح ماكرون.
ومهما اشتدّ عضّ الأصابع، فسيكون اللبنانيون، وفي مقدّمهم المسيحيون، آخر من يصرخ آخ !

المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها