كارين اليان ضاهر

الجمعة ١ تشرين الثاني ٢٠٢٤ - 14:53

المصدر: Independent عربية

غيوم القصف السوداء تجثم فوق صحة اللبنانيين

مع تواصل القصف على بيروت، تتصاعد أعمدة الدخان باستمرار وتشكلت غيمة سوداء فوق العاصمة. فهل لها أثر مسرطن على اللبنانيين؟

منذ بداية الحرب في غزة ولبنان، استخدمت إسرائيل مراراً القنابل الفوسفورية وتكرر الحديث عن تأثيراتها البيئية على المديين القصير والبعيد. لكن، مع توسع رقعة الحرب، بدا واضحاً أن خطر تلوث الهواء الذي نتنشقه والبيئة لا يقتصر على القصف بالقنابل الفوسفورية في الحرب المدمرة، سواء في الجنوب أو في بيروت.

وإضافة إلى تلوث المحاصيل، والمياه السطحية والجوفية في الجنوب بما يشكل تهديداً للمواشي وأيضاً لصحة الإنسان بسبب القصف الفوسفوري هناك، برز في بيروت خطر التلوث البيئي بعد شهر على القصف المكثف والمتواصل على العاصمة. فتلك الغيمة السوداء التي باتت تشكل جزءاً لا يتجزأ من المشهد اليومي الحزين في بيروت، تحوّلت إلى هاجس للبنانيين، فهل تحمل معها تهديداً بأمراض سيصبحون أكثر عرضة للإصابة بها في الأيام المقبلة، لتزيد هماً إضافياً على قلوبهم المثقلة بالهموم والأحزان؟

حزن وهواجس

منذ قرابة شهر، تعلو غيمة سوداء العاصمة ولا تفارقها أبداً لتزيد من الحزن المسيطر في بيروت. وبات صباح المواطن قانطاً أكثر بعد بوجودها، كما ترافقه في أمسياته المهددة بالقصف المتواصل. فمع استمرار القصف على العاصمة وعلى مختلف المناطق اللبنانية، وتصاعد أعمدة الدخان من هذه المواقع، أصبح هذا المشهد معتاداً. إنما في الوقت نفسه، بات وجوده مترافقاً مع هواجس متزايدة لدى اللبنانيين، مما قد يخلّفه ذلك من أخطار على صحتهم، في ظل التلوث المتزايد للهواء الذي يتنشقونه، فيراود من اعتاد على تنشق الهواء المنعش في ساعات الصباح الباكرة، القلق مما يتنشقه من سموم وما يتعرض له من خطر متزايد للإصابة بالسرطان.
وكأنه لا يكفي المواطن اللبناني ما يرزح تحته من هموم في ظروف الحرب وما يرافقها من قصف متواصل وخسائر بشرية بالآلاف وتدمير هائل للبلاد، فيأتيه هم إضافي. ويعلم الكل ما تشكله الحروب من تهديد للبيئة، ليضاف إلى ما تخلفه من دمار في البنى التحتية ومن خسائر بشرية واقتصادية. ويعتبر الخبراء أن ما تستخدمه إسرائيل من قنابل وصواريخ من المصادر الهائلة للتلوث البيئي، ويحذرون من أضرارها الخطيرة على الصحة. والأسوأ أن لبنان يحتل المرتبة الأولى بين دول غرب آسيا في عدد الإصابات بالسرطان قياساً إلى عدد السكان، وفق تقرير صادر عن منظمة الصحة العالمية في عام 2018.
وعلى رغم عدم توافر إحصاءات دقيقة حديثة، يظهر الواقع ارتفاعاً مقلقاً في الأرقام في السنوات الأخيرة في ظل الأزمة التي تعصف بالبلاد. كما يحذر الخبراء أيضاً من الخطر المرتبط بالتلوث الناتج من المولدات الكهربائية في البلاد التي يمكن أن تشكل سبباً إضافياً لارتفاع معدلات الإصابة بالسرطان. واليوم، تزيد المخاوف أكثر جراء القصف المتواصل وما يخلّفه من تلوث في الهواء والبيئة بسبب المواد الكيماوية التي تحملها الأسلحة التي تستخدمها إسرائيل، ومما قد تسببه من أضرار لصحة المواطنين. ويكمن الخطر في تنشق الغبار الناتج من القصف في ضاحية بيروت الجنوبية وبقية المناطق التي تتعرض للقصف، بما أن تأثيرات هذه الأسلحة تُعد كارثية على البيئة وعلى الصحة العامة.

أخطار أكيدة على الصحة

في المرحلة الحالية، هناك صعوبة حقيقية في تحديد وقياس وطأة الحرب على البيئة والمناخ والصحة العامة. ففي ظل احتدام المعارك، تبرز صعوبة إجراء مسح شامل للمناطق المتضررة. وهذا ما تؤكده مديرة مركز حفظ البيئة في الجامعة الأميركية في بيروت، النائبة في البرلمان اللبناني نجاة صليبا. فعلى حد قولها، “يصعب تحديد حجم الضرر، وطبيعة المواد الكيماوية التي تلوث الهواء في العاصمة وفي غيرها من المناطق التي تتعرض للقصف، طالما أن القصف مستمر. ففي مثل هذه الظروف، لا يمكن استخدام الأجهزة التي تسمح بتقويم أولي”. لكن بناءً على خبرتها في هذا المجال، ووفق ما يظهره لها الواقع، يبدو واضحاً أن “الوضع مقلق ولا يمكن الاستهانة بأثر هذا التلوث على صحة المواطنين. فيكفي أن يحاول المواطن تنشق الهواء في الصباح ليلاحظ أنه يبدو ثقيلاً وأنه ثمة تغيير واضح فيه. حتى أن الغيمة الرمادية فوق بيروت، وأعمدة الدخان المتصاعدة يومياً، تترك رائحة معينة يمكن ملاحظتها بوضوح في الصباح الباكر. وتكمن الخطورة في أن القصف يتواصل طوال ساعات الليل مسبباً حرائق تستمر خلال النهار أيضاً مع تصاعد أعمدة الدخان. وهذا ما يجعل الهواء الذي نتنشقه ثقيلاً وسميكاً. والأسوأ أن هذا الدخان لا يزول بسهولة في هذا الطقس الخريفي الذي يُعتبر جامداً وبارداً بما لا يسمح لهذه الغيمة الناتجة من دخان القصف بأن تتبدد بسهولة. فلو كان الطقس صيفياً وحاراً لتصاعد الهواء بسهولة ليسمح بتبدد الدخان الناتج من القصف والحرائق. لذلك، من المتوقع أن يطول الوضع على ما هو عليه”.
ويبدو الوضع أكثر خطورة بشكل خاص على ضاحية بيروت الجنوبية والمناطق المحيطة بها. وبقدر ما يتم الابتعاد عن هذه المناطق، يخف الضرر وإن كان الأذى يبقى موجوداً، فالضرر يزيد دوماً على الموجودين في مناطق قريبة من تلك التي تتعرض للقصف.

في الوقت نفسه، لا تفضل صليبا الجزم بشأن طبيعة وحجم الضرر الذي قد يحصل، “إذ يختلف ذلك بحسب المدة التي يتعرض فيها المواطن للهواء الملوث والمثقل بالجسيمات الدقيقة، وما إذا كانت طويلة أو قصيرة نسبياً. لكن بغض النظر عن المدة، تُعتبر الأمراض التنفسية أبرز الأخطار الحتمية التي يواجهها المواطن اللبناني في مثل هذه الظروف. فهذا الخطر يبرز على المدى القصير كأثر مباشر للقصف والتلوث البيئي. أما الأمراض السرطانية فهي من الآثار البعيدة المدى، والتي لا يمكن التحدث عنها من الآن”.

المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها