علي شندب

الأحد ٢ أيار ٢٠٢١ - 13:57

المصدر: صوت لبنان

فرنسا ودخول لبنان مدارات روسيا

فاجأ وزير خارجية فرنسا جان إيف لودريان اللبنانيون باجراءات عقابية تطال المسؤولين السياسين المتهمين بعرقلة تشكيل حكومة تنقذ لبنان من الانهيار. كلام لودريان تزامن مع زيارة رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل الى العاصمة الروسية موسكو. تزامن، دفع لودريان لاطلاق تصريحاته الساخنة من خارج باريس، فمنصة صواريخه الصوتية نصبت في مالطا، تلك الجزيرة التي عبرت أمامها الأساطيل والبوراج التركية في طريقها الى ليبيا أثناء الغزوة الاردوغانية التي أشعلت التوتر التركي العربي الأورومتوسطي، قبل أن تكبح مصر جماح الغزوة التركية وتوقفها عند الخط الاحمر الذي سبق وحدّده عبد الفتاح السيسي في مدينتي سرت والجفرة الليبيتين.

فرنسا الدولة النووية والعضو الدائم في مجلس الامن الدولي، عارضت الغزو الأميركي الذي شنّه جورج بوش ضد العراق عام 2003. معارضة اضطرت الولايات المتحدة لتشكيل تحالف دولي ضم بريطانيا وغيرها لاحتلال العراق من خارج مجلس الأمن والشرعية الدولية. غزوة القوة الغاشمة هذه ما زالت المنطقة تدفع ثمن تداعياتها باحتلال العراق المدمر للمنطقة العربية. وتبدو عبارة “أوروبا العجوز” التي أطلقها وزير دفاع الغزوة الاميركية دونالد رامسفيلد ضد فرنسا ورئيسها جاك شيراك ووزير خارجيته دومينيك دوفيلبان، وكأنها سارية الصلاحية.

فمنذ عام 2003 تحاول فرنسا إثبات شبابها لا شيخوختها. فقد استشعرت عبارة رامسفيلد “اوروبا العجوز” أشبه برصاصة شبه مُميتة. وقد أثبتت تطورات المنطقة صدق مقولة رامسفيلد الى حد بعيد. ألم يطلب ترامب إتاوة من ميركل المانيا والاتحاد الاوروبي لحمايتهم؟ الم يقل ايمانويل ماكرون ان حلف شمال الأطلسي ميت سريريا؟ وألم يفكر بعض القادة الاوروبيين بانشاء ناتو اوروبي يقيهم شر المهانة التركية واستفزازات الاروغان بحثا عن النفط والغاز شرقي المتوسط على سبيل المثال؟.

ويبدو ان ناظر الخارجية الفرنسية سيزور بيروت لاستكمال تقريع واهانة بعض المسؤولين اللبنانيين، ليس بسبب نكوصهم عن تحمل مسؤولياتهم وتشكيل حكومة انقاذية فقط، بل بسبب نكوصهم وعدم التزامهم الوعود التي قطعوها لرئيسه ماكرون الذي سبق وأعلن تعرضه لحفلة خيانة جماعية في بيروت.

لكن هل فعلا أن بمقدور بعض ساسة لبنان أن يديروا ظهرهم لصديق لبنان التاريخي فرنسا؟ أم أن ثمة مزاحمة حقيقية تعرضت لها “الأم الحنون”، ما خفّف من نفوذها وتأثيرها بفعل تلك المزاحمة. انها المزاحمة التي تقول أن تغييرا كبيرا ومحوريا حصل في توازن القوى في لبنان كانعكاس بديهي لتوازن القوى في المنطقة التي اختلت توازناتها بفعل الحرب في سوريا وعليها، كما وبفعل تحول سوريا الى منطقة تقاسم نفوذ بين قوى اقليمية ودولية متواجدة بقواعدها واساطيلها وجيوشها في سوريا التي يمكن القول ان الكلمة العليا فيها باتت لقيصر روسيا، وليس لماكرون فرنسا الذي أخفق ومبادرته في لبنان كما أخفق مع سابقيه في الاليزيه ساركوزي وهولاند في سوريا.

وبخلاف اندفاعة القوة العسكرية الروسية الخشنة التي تمكنت من قلب الاوضاع رأسا على عقب في سوريا لمصلحة بشار الاسد خلافا لمصلحة فرنسا ومعاركها في المدن السورية، فإن الدبلوماسية الروسية تسير بهدوء ودون ضجيج، لتصبح موسكو لا باريس مفتاح الحل اللبناني، وفي هذا ما يغيظ فرنسا نتيجة المزاحمة الروسية على تراثها الفرانكفوني والاستعماري في لبنان.

ربما يغفل ساسة فرنسا كيف أن حافظ الاسد ومن بعده بشار الاسد قد ضبطوا الوضع اللبناني لسنوات طويلة وفق ما تقتضيه المصلحة السورية، وأن الجغرافيا كانت ضابط الامن والايقاع الحقيقي للواقع اللبناني. الجغرافيا التي باتت فيها روسيا بمثابة الراعي الرسمي للدولة السورية كما ولايران وأذرعها في سوريا واستطرادا في لبنان حيث المنظومة الرسمية التي يديرها ويهيمن عليها حزب الله.

ربما لم يدرك لودريان أن روسيا الدولة الكبرى في العالم، باتت بنفس الوقت جارة لصيقة للبنان الذي بات يقع تحت فلك المدارات الروسية ورادارتها التي تغفو تجاه الغارات الاسرائيلية على مواقع ايران وأذرعها في سوريا. ولهذا فإن لبنان اليوم يختلف عن ذلك الذي أعيد انتاجه بواسطة اتفاق الطائف عام 1989، انه الاتفاق الذي رعته تسوية اقليمية دولية ضمت كل من الولايات المتحدة وفرنسا والسعودية وسوريا. وقد بدت هذه الرباعية الدولية حول لبنان أشبه بشبكة أمان لهذا اللبنان.

لكن توازن القوى الاقليمية، تغير بفعل دور ايران المتقدم في المنطقة، انطلاقا من تخادمه مع الشيطان الاكبر، منذ غزو العراق واحتلاله، وصولا الى الاتفاق النووي وتداعياته الميدانية، وتحول ايران الى قوة اقليمية عظمى تحتل أربعة عواصم عربية. وبات لايران ممثلة بحزب الله الكلمة والقدم العليا في لبنان، وهذا أمر يدركه لودريان كما يدركه ماكرون الذي سرعان ما خضع لضغوط ومطلب الثنائي الشيعي بتخصيصه بوزارة المالية، الأمر الذي جوّف المبادرة الفرنسية وضرب توازنها ووحدة معاييرها التي تحولت أسلحة تعطيلية في يد رئيس الجمهورية وفريقه تجاه عدم تشكيل الحكومة اللبنانية.

وفيما سعت فرنسا لتحويل مبادرتها اللبنانية الى مبادرة اوروبية، والتهويل بفرض عقوبات فرنسية اوروبية على المعطلين والمعرقلين. فوجئت بانتكاسة ديبلوماسية من طرف وزير خارجية هنغاريا الذي زار وزير خارجية لبنان السابق جبران باسيل متضامنا معه ومعلنا عدم موافقة بلاده على اي عقوبات اوروبية تستوجب اجماع كامل دول الاتحاد الاروربي تجاه المعرقلين وفق الرؤية الفرنسية.

اذن فشل الجهود الفرنسية دفع فرنسا الى اعلان فرضها قيود منع السفر الى فرنسا على نحو 40 مسؤولا لبنانيا لن تعلن أسمائهم بحسب الاخبار الممهدة لزيارات لودريان لزيارة لبنان.

ويبدو أن موقف فرنسا بمنع سفر بعض ساسة لبنان اليها، وكأنه يحمل في مضامينه العميقة والبعيدة تهديدا مفاده بأن فرنسا الماكرونية سوف لن تجلي او تستقبل لاحقا أي مسؤول سياسي قد تضطره الظروف الميدانية الى الهروب من قصره واللجوء الى سفارتها في بيروت مرة أخرى.

المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها