الأحد ٢٢ حزيران ٢٠٢٥ - 08:45
المصدر: المدن
فوردو بقلب الجبل.. هل تملك إسرائيل خياراً سرياً لتدميره؟
على عمق مئات الأمتار تحت الصخور الجبلية قرب مدينة قم الإيرانية، ترقد منشأة فوردو النووية، كأنها خزنة نووية عصيّة على الكسر. ورغم الغارات والعمليات الجوية التي شنتها إسرائيل خلال “عملية الأسد الصاعد”، بقيت فوردو، بحسب التقارير، عصيّة على الاختراق… فهل تملك إسرائيل بالفعل خياراً لتدميرها؟ وهل تستطيع المضي في ذلك دون دعم أميركي مباشر؟
تحت عمق مئات الأمتار في باطن جبل صخري قرب مدينة قم الإيرانية، تقع منشأة فوردو النووية، واحدة من أكثر المواقع تحصيناً في البرنامج النووي الإيراني. صُممت لتقاوم الهجمات الجوية المكثفة، ويبدو أنها قد أدّت وظيفتها على النحو الأمثل حتى الآن. فوفقاً لتقارير استخباراتية متقاطعة، فإن الضربات التي نفذها سلاح الجو الإسرائيلي ضمن عملية “الأسد الصاعد”، لم تُلحق سوى أضرار محدودة بالمنفذ الأرضي وبعض منافذ التهوية، دون أن تمسّ جوهر عمل المنشأة أو تعطل قدرتها التشغيلية.
وبرغم إعلان إسرائيل أنها باتت تسيطر جوياً على أجواء إيران بعد مرور ثلاثة أيام على بدء عمليتها العسكرية، فإن منشأة التخصيب الرئيسية في فوردو بقيت خارج نطاق التأثير. وهو ما وضع القيادات العسكرية والسياسية الإسرائيلية أمام معضلة: هل يمكن فعلياً تحييد فوردو من دون تدخل أميركي مباشر؟
القنبلة التي لا تملكها إسرائيل
في الوقت الراهن، تعتبر الولايات المتحدة الدولة الوحيدة التي تمتلك القنبلة الخارقة للتحصينات GBU-57 MOP” (Massive Ordnance Penetrator)”، والتي يصل وزنها إلى نحو 13 ألفاً و600 كيلوغرام، وتُحمل على متن طائرات “بي-2” الشبحية حصرياً.
ولذلك، ليس مفاجئاً أن يكون رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، قد ناشد الرئيس الأميركي دونالد ترامب، للمساعدة في تدمير المنشآت النووية الإيرانية شديدة التحصين. إلا أن غياب قرار أميركي واضح بالتدخل، أجبر إسرائيل على مناقشة خيارات أخرى.
سيناريو “الطرق المتعددة”: سابقة سورية
الحديث عن خيار القوات الخاصة ليس جديداً في الأوساط الأمنية الإسرائيلية. ففي 8 أيلول/سبتمبر 2024، نفذت وحدة خاصة من سلاح الجو الإسرائيلي عملية معقدة أُطلق عليها اسم “طرق متعددة”، دُمّرت خلالها منشأة إيرانية تحت الأرض في منطقة مصياف، بريف حماة الغربي، في سوريا.
كانت تلك المنشأة مخصصة لتصنيع صواريخ أرض-أرض متطورة، قيل إنها كانت موجهة للاستخدام من قبل “حزب الله” ونظام الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد، حليف طهران في دمشق.
وبعد أشهر من المراقبة والرصد، نُقل نحو 200 جندي من وحدة “شالداغ” الخاصة بطائرات هليكوبتر من طراز “ياسور” إلى الموقع السوري، تحت غطاء سلسلة ضربات جوية تضليلية. واستخدمت القوات الإسرائيلية أكثر من 600 كيلوغرام من المتفجرات لتدمير المنشأة التي كانت داخل جبل، كما استولت على كمية كبيرة من الوثائق الاستخباراتية الهامة ونقلتها إلى إسرائيل، دون تسجيل أي إصابات في صفوفها.
هل يُكرر النموذج السوري في إيران؟
رغم النجاح الظاهر لتلك العملية، فإن محاولة تنفيذ سيناريو مشابه ضد منشأة فوردو تنطوي على مخاطر أكبر بكثير، لعدة أسباب. أولاً، المسافة: فوردو تبعد أكثر من 1000 كيلومتر عن إسرائيل، وهو ما يعني الحاجة إلى عمليات إعادة تزويد بالوقود في الجو لطائرات الهليكوبتر، في مهمة بالغة التعقيد من الناحية اللوجستية.
ثانياً، الدفاعات الجوية الإيرانية لا تزال نشطة، رغم الضربات الإسرائيلية التي تعرضت لها. وتشير التقارير إلى أن أنظمة الدفاع الجوي الإيرانية، سواء الثابتة أو المحمولة على الأكتاف، لا تزال قادرة على اعتراض التهديدات، خصوصاً حول منشآت شديدة الحساسية كفوردو.
ثم هناك البنية الجيولوجية نفسها للمنشأة. فالوصول إلى أجهزة الطرد المركزي وتفجيرها داخل جبل مدرّع، يتطلب قدرات اختراق نادراً ما تتوفر في عمليات القوات الخاصة، دون دعم مباشر من قنابل خارقة للتحصينات.
الاحتمال الأكثر رجاحة: طائرات “C-130”
أحد الخيارات الأقل تداولاً والأكثر جدلاً في الأوساط العسكرية الإسرائيلية، هو استخدام طائرات النقل العسكرية “C-130 Hercules” لإلقاء قنابل خارقة، في حال توافرها. تمتلك إسرائيل عدداً من هذه الطائرات، منها طرازات “KC-130H” و”C-130H” و”C-130J”، والتي يمكن من حيث المبدأ تعديلها لحمل وإسقاط قنابل ضخمة.
السوابق التقنية موجودة. ففي عام 2017، قامت الولايات المتحدة باستخدام طائرات “C-130” في أفغانستان لإسقاط قنبلة ضخمة، عُرفت باسم “أم القنابل”، من حجرة الشحن الخلفية. ومن هنا، يدور نقاش حول إمكانية تكرار التجربة بصيغة إسرائيلية.
غير أن هذا السيناريو محفوف بتحديات تقنية كبيرة. طائرات “C-130” أبطأ وأقل ارتفاعاً من طائرات “بي2”. ففي حين تطير “بي-2” على ارتفاع يصل إلى 50 ألف قدم وبسرعة 800 كيلومتر في الساعة، فإن “C-130” لا تتجاوز 25 ألف قدم وسرعتها لا تزيد عن 400 كيلومتر في الساعة. هذا الفرق يُضعف من قوة الاصطدام بالقنبلة عند ارتطامها بالصخر، ويقلل من قدرتها على اختراق أعماق الجبل.
وبالتالي، فإن إسقاط قنبلة مثل “GBU-57” من طائرة “C-130” لن يُحدث نفس التأثير التدميري الذي تملكه نظيرتها الأميركية الشبحية. كما أن الطائرة نفسها ستكون أكثر عرضة للإصابة بسبب تحليقها المنخفض والبطيء، خصوصاً في أجواء لم تُحيد فيها بالكامل الدفاعات الإيرانية.
السؤال المركزي الآن: هل تجرؤ إسرائيل على تنفيذ ضربة عسكرية ضد منشأة فوردو دون غطاء أميركي؟
الجواب لا يزال غير محسوم. فحتى الآن، لا توجد مؤشرات واضحة على امتلاك إسرائيل قنابل خارقة للتحصينات من طراز “GBU-57″، ولا طائرات قادرة على إيصالها بالكفاءة المطلوبة. ومع ذلك، من اللافت التفكير في هذا الاحتمال، خصوصاً في زمن قد تتطور فيه وسائل النقل والهجوم لتؤدي أدواراً أكثر ديناميكية.
المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها