فرنسوا ضاهر

الأربعاء ٩ تشرين الثاني ٢٠٢٢ - 15:39

المصدر: صوت لبنان

في إتفاق الطائف….

  1. حرص السوريون خلال وصايتهم على لبنان ان يستبيحوا أحكام الدستور من أصل تعزيز تلك الوصاية. وقد ابتدعوا لهذه الغاية مجموعة من الممارسات والأعراف غير الدستورية ولا سيما، الإنصهار الوطني، والديمقراطية التوافقية، وحكم الترويكا (الرئاسات الثلاث)، وإنتخاب رئيس جمهورية يواليهم، وحصة وزارية محفوظة له في الحكومة. كما عملوا على إقرار قوانين إنتخابية بتقسيمات لدوائرها أمّنت لهم إيصال المقرّبين منهم والمحسوبين عليهم.
  • وبعد إنحسار الوصاية السورية على لبنان منذ 26 نيسان 2005، وحلول النفوذ الإيراني مكانها بواسطة حزب الله. خضع الحكم في لبنان لمجموعة إضافية من المصطلحات والممارسات غير الدستورية، طبعاً. ولكن كان شأنها أن تعزّز هذا النفوذ على أروقة الحكم في هذا البلد. ولا سيما، الإصرار على حكومات الوفاق الوطني، والثلث المعطّل في تركيبة تلك الحكومات، والتقيّد بالميثاقية بمعرض العمل الحكومي وفي إجتماعات المجلس النيابي، وتحويل رئيس الجمهورية الى شريك كامل مع رئيس الحكومة المكلّف في تشكيل تلك الحكومات، والحصة الوزارية المحفوظة دوماً لرئيس الجمهورية، وتعطيل الإنتخابات الرئاسية لآماد طويلة حتى لسنوات، وضرورة توافر نصاب الثلثين في دورات الإقتراع التالية للدورة الأولى في جلسات إنتخاب رئيس جديد للبلاد وغيرها….
  • وكان من ناتج هاتين الوصايتين اللتين حرصتا على تولية حكم البلاد الى غالبية السياسيين الذين هم من أتباعهما والمقرّبين منهما أن تمّ تشويه أحكام دستور الطائف.

وكان من ناتج هذه الوضعية أيضاً في مجمل عناصرها، أن وصلت البلاد الى أوضاعها الدراماتيكية الراهنة، على كافة الصعد وفي كافة المجالات والقطاعات والمرافق العامة.

  • وإنه للتبرُّؤ من مسؤولية هذا الواقع، علت أصوات الذين أداروا البلد خلال هاتين الحقبتين من الوصاية، لتقول: إن المشكلة هي في نظام دستور الطائف ولا بدّ من إستبداله بنظام جديد أو تعديله بشكلٍ جذري أو على الأقل ردم النواقص التي تعتريه. كما علت بالمناسبة أصوات أخرى لتطالب بإلغاء الطائفية السياسية في لبنان، وأصوات لتنادي بالعلمنة الشاملة أتت في غالبها من الشباب المغترب الثائر حيال ما آلت اليه أوضاع وطنه – الأم.
  • غير أنه في صَخَب هذه الموجة المثارة عمداً ضد دستور الطائف، لغايات متفاوتة ذكرناها أعلاه، هناك مشروع دستور جديد يلوح في الأفق. ويستند في جوهره الى حلف الأقليات الذي يتمثّل بإتفاق مار ميخائيل (6/2/2006) والذي يهدف في خواتمه الى إتباع لبنان، كياناً وثقافةً وهويةً، الى المحور الممانع في المنطقة. وهذا ما تظهّر، بشكلٍ جليّ، طيلة مدة الولاية الرئاسية المنقضية (عهد الرئيس ميشال عون). حيث تميّزت بالتجاوزات الدستورية اللامتناهية والهادفة الى زعزعة مكانة الطائفة السنيّة في السلطة الإجرائية، والى ضرب مرتكزات الميثاق الوطني اللبناني.
  • من هنا، يصحّ الإستنتاج، بأن لبنان ليس بحاجة الى دستور جديد لإعادة ترتيب أوضاعه وإنقاذه، بل الى حكّام فاضلين سياديين يُخرجونه من أية وصاية خارجية عليه. ذلك أن دستور الطائف يكتنز قواعد وضعية هي في غاية الدقّة والتكامل لا يعتريها أي نقص أو إبهام. بل تتطلّب نفوساً وطنية شريفة تُحسن فهمها وإعمالها بروح المسؤولية والحرص على المتقضى الوطني العام.

المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها