فرنسوا ضاهر

الأحد ٨ كانون الأول ٢٠١٩ - 08:46

المصدر: صوت لبنان

في الطائفية السياسية بين إلغائها وحسن تطبيقها

إن نشأة لبنان الكبير (1/9/1920) قد ارتكزت على الطائفية السياسية،
اي توزّع المناصب في مؤسسات الحكم المركزي بين المسلمين والمسيحيين
إستناداً الى المادة 95 من دستور 23/9/1926،
التي تقول: ” تمثّل الطوائف بصورة عادلة في الوظائف العامة وبتشكيل الوزارة … ”
بعدها تمّ إبرام الميثاق الوطني سنة 1943 الذي حدّد بشكل أكثر دقة
هذا التوزّع للمناصب العامة بين المسلمين والمسيحيين.
وان هذا الميثاق بمعرض تطبيقه خلال العهود الاستقلالية،
قد اقترن ” بأعراف دستورية ” جاءت الى حدٍّ بعيد تعديليّة لأحكام دستور
الجمهورية اللبنانية لسنة 1926.

غير ان هذه القواعد الدستورية المتضافرة لم ترسِ إستقراراً في الحياة العامة في لبنان.
لأن الطوائف الكبرى، ولا سيما المارونية والسنيّة والشيعيّة، بقيت في صراع متواصل،
ومتفاوت الحدّة، لغاية تعديل موازين القوى فيما بينها.

وان الثورة التي اندلعت في سنة 1958 كانت على خلفيّة هذا الصراع
الماروني السني. كما ان الحرب الأهلية التي اندلعت في سنة 1975
كانت أيضاً على خلفية هذا الصراع عينه.

وان اتفاق الطائف لسنة 1989 الذي أضحى نصّاً دستورياً سنة 1990
قد أرسى هو ايضاً تعديلات في السلطة الاجرائية وفي السلطة المشترعة،
لغاية خلق توازن جديد في الصلاحيات الدستورية التي تمارسها
الطوائف الرئيسية الثلاث.

وان سلطة الوصاية السورية التي بسطت نفوذها على مؤسسات الحكم المركزي
في لبنان منذ 1990، لم تتوانَ هي ايضاً، عن فرض ممارسات ومصطلحات غير
دستورية تحمي بها نفوذها وتأثيرها على الحياة العامة في لبنان وعلى سياساته
الداخلية والخارجية في مختلف الميادين.

وان تصاعد نجم حزب الله، الشيعي، المقاوم اساساً للاحتلال الاسرائيلي
في جنوب لبنان منذ سنة 1982،
قد أبقاه خارج مقتضيات ” وثيقة الوفاق الوطني ” (5/11/1989)
التي قضت ” بحلّ جميع الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية ”
” وتسليم أسلحتها الى الدولة اللبنانية. ” في مرحلةٍ أولى.
كما وجَعَلَه، في مرحلةٍ لاحقة، بدءاً من سنة 1992،
ينخرط في مؤسسات الحكم المركزي التشريعية والاجرائية،
ويتدرّج في اكتساب المواقع والتأثير عليها، من خلال ” حكومات الوفاق الوطني ”
بدءاً من سنة 2005 وصاعداً، الى حين خوضه معركة رئاسة الجمهورية
من خلال اتفاق الدوحة (21/5/2008)، وقراره باكتساحها عند نهاية عهد
الرئيس ميشال سليمان (25/5/2014)، حتى تمّ له ذلك، بعد مخاضٍ عسيرٍ،
بانتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية اللبنانية (31/10/2016).

الأمر الذي أرسى، مرة إضافية، قواعد وموازين قوى جديدة في ممارسة
الصلاحيات الدستورية بين الطوائف الكبرى الثلاث، الموارنة والسنّة والشيعة.
تمثّل في توزّع السلطة الاجرائية، من خلال المواقع الوزارية، فيما بينهم،
على نحو رسّخ أكثر فأكثر الطائفية السياسية وعمّمها.
ما جعل هذا الواقع ينسحب على إدارات المؤسسات العامة
والأجهزة الأمنية والقيادات العسكرية والمفاصل الأساسية في السلطة القضائية.

بحيثُ أنه، في خضمّ هذا الواقع المتشدِّد طائفياً،
والذي يحمل في طيّاته ايضاً، توجّهات سياسية إقليمية متناقضة بل تصادميّة،
كيف يمكن البحث بإلغاء للطائفية السياسية او وضع قانون إنتخابي
يجعل من لبنان دائرة انتخابية واحدة وفق النظام النسبي؟

في حين، انه يقتضي على نقيض ذلك، المرور بمرحلة انتقالية، ترمي:
– الى إمتصاص الحدّة الطائفية وإحياء روح المواطنة الشاملة عند اللبنانيين،
– والى إخراجهم من الولاءات الخارجية والمشاريع الاقليمية التي تتجاوز حدود
وطنهم، من خلال الإقرار الفوري لقانون اللامركزية الموسّعة،
– والى تعديل القانون الإنتخابي الحالي، لجعله مرتكزاً على الدوائر الصغرى
وفق النظام الأكثري.

كما ويقتضي ايضاً، وقف التجاذب في الصلاحيات
وابتداع الممارسات والمصطلحات غير الدستورية،
لغاية إيجاد إستقرار بنّاء في عمل المؤسسات المركزية،
والمؤسسات العامة المُتبعة لها والواقعة تحت إمرتها.
حتى يكون كلّ ذلك منطلقاً لعملية إصلاح شاملة
للنظام السياسي في لبنان.

ما يعني أنه، بمعرض تلك المرحلة الانتقالية، لا بدّ من التوصّل
الى توازن وتكامل نهائيين في الصلاحيات التي تمارسها
الطوائف المارونية والسنيّة والشيعيّة، كي تتأمّن، أولاً بأول، أعلى مراتب
” مصلحة الدولة “.

وذلك إستناداً الى القاعدة الذهبية التي نصّت عليها
المادة 95 دستور قديمة، والتي تبقى راعيةً لروحية المادة ذاتها من
الدستور الجديد (21/9/1990)، التي تقول:
” التماساً للعدل والوفاق تمثّل الطوائف بصورة عادلة ”
” في الوظائف العامة… دون ان يؤول ذلك الى الإضرار بمصلحة الدولة. “

المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها