فرنسوا ضاهر

الجمعة ٢٩ تموز ٢٠٢٢ - 08:00

المصدر: صوت لبنان

في القيد الدستوري على إنتخاب رئيس جديد للجمهورية اللبنانية

في القيد الدستوري على إنتخاب رئيس جديد للجمهورية اللبنانية المنصوص عنه بالفقرة 3 من المادة 49 دستور:

هناك نظرية دستورية تقول أنه يمكن إنتخاب رئيس جديد للجمهورية اللبنانية خارج القيد الذي نصّت عليه الفقرة 3 من المادة 49 دستور، في حال تمّ إنتخابه بعد إنقضاء مهلة الشهرين التي تسبق إنتهاء ولايته والتي نصّت عليها المادة 73 من الدستور نفسه.

على اعتبار أنه بإنقضاء المهلة الدستورية على إنتخاب رئيس جديد للبلاد (73 دستور) ينقضي معها القيد الدستوري (49/3 دستور).

غير أن هذه النظرية تشكّل خطأً جسيماً في فهم وتفسير أحكام الدستور، للأسباب التالية:

أ‌- لأن القيد الذي وضعه المشرّع الدستوري بالفقرة 3 من المادة 49، والذي يقول بعدم جواز إنتخاب رئيس للجمهورية من بين القضاة وموظفي الفئة الأولى وما يعادلها في جميع الإدارات العامة والمؤسسات العامة وسائر الأشخاص المعنويين في القانون العام مدة قيامهم بوظيفتهم وخلال السنتين اللتين تليان تاريخ إستقالتهم وإنقطاعهم فعلياً عن وظيفتهم أو تاريخ إحالتهم على التقاعد، والذي يُقصد منه عدم تمكينهم من صرف نفوذهم الوظيفي وإستغلال هذا النفوذ وإستخدامه لغاية تسهيل وصولهم الى سدّة الرئاسة الأولى في البلاد،
لا يتبدّل بتبدّل التوقيت الذي يتمّ فيه إنتخاب رئيس جديد للجمهورية.

أوقع هذا التوقيت ضمن مهلة الشهرين الدستورية التي تسبق إنتهاء ولاية رئيس الجمهورية والتي نصّت عليها المادة 73 من الدستور أم خارجها.

حيث تصبح البلاد حينئذٍ في حالة الخلاء أو الشغور الرئاسي، التي لحظتها المادة 62 من الدستور نفسه، وقد عالجت الوضعية الناشئة عنها،” بأن أناطت صلاحيات رئيس الجمهورية وكالةً بمجلس الوزراء. “

ب‌- إنه من غير الجائز في علم القانون عموماً، وعلم الدستور تحديداً، أن يُفهم ويُفسّر نص دستوري ويحدّد ميدان تطبيقه على نحو يلغي أي نص آخر.

بمعنى أنه لا يجوز أن تكون المهلة الدستورية المحدّدة لإنتخاب رئيس جديد للجمهورية، والتي وضعتها المادة 73 دستور، مُسقطة بعد إنقضائها،للقيد الذي وضعته المادة 49/3 دستور على إنتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية.

ج- إن هدفيّة وغاية القيد الدستوري الذي وضعه المشرّع الدستوري بالمادة 49/3 دستور، والذييرمي الى منع فئة من الأفراد العاملين في القطاع العام أو الذين لم ينقضي على عملهم فيه سنتان، من الترشّح لرئاسة الجمهورية، لايرتبط بالتوقيت الذي يتمّ فيه إنتخاب رئيس جديد للجمهورية.

وذلك بالنظر الى طبيعة القيد بحدّ ذاته. ألا وهوالحؤول دون إنتخاب هؤلاء الموظفين لرئاسة الجمهورية، تبعاً لإمكانية صرف نفوذهم الوظيفي أو إستخدام وظائفهم أو التجاوز في إستخدامها لغاية تسهيل إنتخابهم.

وإن التفسير المعاكس يفضي الى القول بأن صرف النفوذ يعتدّ به ويؤخذ في الإعتبار، في حال تمّ إنتخاب رئيس جديد للبلاد، ضمن المهلة الدستورية المحدّدة لإنتخابه (73 دستور)، ولا يعتدّ به ولا يؤخذ في الإعتبار إذا ما تمّ إنتخابه بعد إنقضاء تلك المهلة.

الأمر الذي يجافي منطق الأمور وطبيعتها ويخالف المفاهيم العامة.

د- ولا يرد على ما تقدّم، أنه بإمكان المجلس النيابي أن يتجاوز القيد الذي وضعته الفقرة 3 من المادة 49 دستور، وذلك بإنتخاب رئيس جديد للجمهورية بالأكثرية الموصوفة الموضوعة لتعديل الدستور التي نصّت عليها المادة 79 دستور، وهي ثلثا الأعضاء الذي يؤلّفون المجلس قانوناً.

ذلك أنه لا مجال للقول بالتعديل الضمني للدستور. لأن لتعديله آلية دستورية جوهرية وضعها المشرّع الدستوري، لا يمكن تجاوزها ولا الإلتفاف عليها ولا تجاهلها، وهي تلك التي نصّت عليها المواد 76 و77 و78 و79 دستور.

على إعتبار أن لكلّ تعديل دستوري أسبابه الوطنية الموجبة وأبعاده ومراميه وتأثيره على سير عمل المؤسسات الدستورية وتعاونها وكيفية تكوينها، لتوفير المزيد من الخير العام للأمة.

لـــــذا، يقتضي الإستنتاج، على وجهٍمؤكّد، بأن النظرية الدستورية المثارة هي مخالفة لأحكام الدستور ولصراحة أحكامه وللمفاهيم التي أرساها. ولا بدّ من إهمالها وإسقاطها.

بدليل أن المجلس النيابي عندما شرع بإنتخاب العماد إميل لحود رئيساً للجمهورية، قد عمد أولاً بأول وقبل إنتخابه الى إقرار التعديل الدستوري رقم 687 تاريخ 13/10/1998 الذي نصّ على إمكانية إنتخابه خارج القيد الذي وضعته الفقرة 3 من المادة 49 دستور.

ولو أنه إرتأى أن النص الدستوري يجيز له تعديل الدستور ضمناً، لكان أتمّ إنتخابه للتوّ، بالأكثرية الموصوفة الواجبة لهذا التعديل، مباشرةً، دونما حاجة لإقرار التعديل الدستوري المشار إليه.

المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها