فرنسوا ضاهر

الأحد ٦ حزيران ٢٠٢١ - 08:00

المصدر: صوت لبنان

في المعارضة التي توالي المنظومة الحاكمة

إنتقل الدستور اللبناني، بالممارسة والمصطلحات والمفاهيم المستحدثة، منذ إتفاق الدوحة، من النظام الديمقراطي البرلماني الى نظام إتحادي كونفدرالي طائفي.
بمعنى أن لكلّ مجموعة أو كتلة نيابية حصة توازي حجمها في السلطة الإجرائية.

كما يتمّ توزيع الوزارات، بين سياديّة وخدماتية وثانوية، على تلك المجموعات والكتل النيابية، بما يتناسب مع حجمها والمواقع الوزارية المحفوظة لنفوذها ومنافعها ومغانمها.

إنطلاقاً من هذا الواقع الدستوري، تُصبح السلطة الإجرائية مؤلّفة من الأكثرية الحاكمة ومعارضيها على السواء. يجلسان جنباً الى جنب في مجلس الوزراء ليتفاهما ويتصادما على إدارة شؤون البلاد.

فتصدر القرارات إما بالإجماع وإما بالأكثرية المقرّرة (العادية أو الموصوفة) ويسجّل المعارضون معارضتهم أو تحفّظهم، ويتوسّلون الإعلام لشرح الأسباب الموجبة لموقفهم السلبي من المقرّرات المتّخذة.

أما المعارضون الذين يتخلّون عن مواقعهم في السلطة الإجرائية، إما بفعل رفضهم الإشتراك في الحكومة عند تشكيلها، أو بفعل إستقالتهم منها بحجة أنهم أقليّة غير مقرِّرة وغير مؤثِّرة فيها.

فإنهم يكونوا عملياً قد:

سهّلوا للأكثرية المقرِّرة السير بإدارة البلاد وفق المناحي والتوجهات التي تريدها.
وأغفلوا بالتالي الإطلاع على المعطيات والدوافع والخلفيات التي على أساسها تدار تلك البلاد.
كما يكونوا قد أضعفوا أيضاً معارضتهم للأكثرية المقرِّرة، الى حدّ إمكانية إعتبارهم بمثابة المتواطئين الضمنيين أو الباطنيين معها.

هذا من جهة أولى،

ومن جهة ثانية،

إن المعارضة التي تبني معارضتها على النظرية القائلة ” بأنها ستترك الأكثرية الحاكمة تحكم الى حين تولّد ” ” أكثرية نيابية جديدة تطيح بها، بنتيجة الإنتخابات ” ” النيابية المقبلة. “

فهذا يعني عملياً أن تلك المعارضة تسهّل للأكثرية الحاكمة الإستمرار في إدارة شؤون البلاد على الخيارات التي ترتئيها، الى حين إجراء تلك الإنتخابات على الأقل. وحتى لما بعدها، فيما لو لم تتمكّن من اكتساح الأكثرية المطلقة في المجلس النيابي لمصلحتها وإنتزاعها من الأكثرية الحاكمة المقرِّرة.

ومن جهة ثالثة،

كما وإن المعارضة التي تريد مواجهة الأكثرية الحاكمة في الإنتخابات النيابية المقبلة على ذات القانون الذي أتاح لتلك الأكثرية من التكوّن، تكون تخاطر بوجودها وبكيانها وبصدقيتها تجاه مجتمعها، من ناحية.

كما تضع البلاد، من ناحيةٍ أخرى، في الخانة التي ترجّح حكمها بذات الأكثرية التي سبق وحكمتها، قبل إجراء تلك الإنتخابات.

ومن جهة رابعة،

كما وإن المعارضة التي تسعى الى تأليف حكومة جديدة من المستقلّين ولا تطالب بإعطائها، في الآن ذاته، صلاحيات تشريعية في مجالات: الإصلاح والمالية العامة والإقتصاد والقطاع المصرفي وإقرار قانون إنتخابي جديد، إنما تكون تضع تلك الحكومة تحت مِقصلة ورحمة الأكثرية الحاكمة، التي يمكنها إسقاطها، في أي حين، كما وضبط إيقاع عملها وفعاليتها،
ما يجعل المطالبة بها، أمراً غيرَ مجدٍ وخاوياً من أية نتيجة فعلية.

إنطلاقاً مما تقدّم،

وحتى لا تتّخذ معارضة الأكثرية الحاكمة طابع التواطؤ العرضي أو الضمني معها أو التسهيل لمشروعها السياسي، لا بدّ من أن تتّخذ مناحي مختلفة وأساليب وخيارات غير تلك التي تعتمدها أو تسوّقها.

المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها