play icon pause icon
منى فياض

منى فياض

الأثنين ٢٠ تشرين الثاني ٢٠٢٣ - 08:08

المصدر: صوت لبنان

في تغير النظرة الى القضية الفلسطينية والى اسرائيل

لطالما شكل اليهود معضلة بالنسبة للغرب. رفضهم بعمق. فتعرضوا للاضطهاد والتنكيل والطرد. بينما لم يكن وضعهم، في الشرق، مختلفا عن باقي الأقليات، فقُبلوا أحيانا وتعرضوا للتمييز في أحيان أخرى. لكنهم لم يشكلوا في أي وقت مشكلة خاصة، الا بعد احتلال الصهاينة لفلسطين تحت عنوان إسرائيل، فصاروا مكروهين.
محارق النازية كانت ذروة التنكيل باليهود. لكن قبل ذلك، خطط الانجليز للتخلص منهم بطريقة لينة وتخدم أهدافهم الاستعمارية في زرع رقيب على الدول العربية الناشئة، فكان وعد بلفور.
ثم اخترع الغرب شعار رفض “معاداة السامية”، للتكفير عن الذنوب المتراكمة بحق اليهود. كان الشرق الإسلامي بعيداً كل البعد عن هذه الإشكالية. العرب ساميون ايضاً.
تعبر هذه الإشكاليات عن ذهنيات معينة تسود في حقبة ما، تسامح او لا تسامح تجاه أمر ما. ويتطلب تغييرها وقتا طويلا في معظم الأحيان.
نتلمس الآن بدايات لتغيير وانزياحات للذهنيات تجاه اسرائيل وتجاه القضية الفلسطينية. والذهنية هي نقطة التقاء الفردي بالجماعي، الازمنة الطويلة باليومي، واللاواعي مع المتعمّد، الهامشي والعمومي. بالإرث أيضا وبالخسارات، والانقطاعات، والفجوات التي يسببها تأخر الفكر في التأقلم مع التغيير، لأن المادة تتغير بسرعة أكبر من الفكر.
والذهنيات تتكون وتنتشر انطلاقا من مراكز تنمو فيها وتسهم بتعميمها، كالأوساط المبدعة والمجموعات والمهن الوسيطة، والأوساط الشعبية ومراكز التجمع، والماس ميديا، وأيضاً الخطاب والصورة المرسومة والمنحوتة. وفي ظل الثورة الرقمية بدأت تتبلور ذهنيات جديدة خاصة لدى الأجيال الطالعة كجيل زد Z، الذي لا يحمل ذاكرة الهولوكوست. يشكل كل ذلك مركبات حاملة لتبلور ذهنيات تنطلق من حركات وسلوكيات ومواقف جديدة.
ذلك لا يعني اختفاء الذهنيات السابقة، هناك تعايش لعدة ذهنيات في نفس الوقت. لأن الجمود Inertie يشكل قوة تاريخية أساسية.
دون هذا الفهم لديناميات التغيير سيظل البعض عاجزاً عن نتلمس الجديد الناشئ. وتكثر الدلائل والعلامات على تغيّر المزاج العام حول العالم، من القضية الفلسطينية كقضية محقة، ومن إسرائيل كدولة محتلة. صحيح ان الرأي العام العالمي صعق أمام ما قامت به حماس في 7 اكتوبر، وأدان الإرهاب الذي مورس بحق المدنيين العزّل، لكنه سرعان ما تحوّل ليدين بقوة أكبر، التوحش الإسرائيلي، المستمر دون توقف، منذ أكثر من شهر ونصف.
اكثر ما يظهر ذلك لدى الأجيال الشابة من فئة الميلينيوم والجيل المسمى “زد” Z.
تشكو شخصية يهودية – صهيونية كندية، اعتمادا على إحصاءات، ان هذا الجيل لا يعرف شيئا عن الهولوكوست، وان نسب مئوية مهمة من الأجيال الاميركية بعمر الأربعين وما دون لديهم معلومات مغلوطة او ناقصة عن المحارق وعن اسرائيل. وتدعو الى تكثيف الجهود وتطالب بحملات بروباغندا لاعادة “برمجة” هذه الأجيال وتعريفها على تاريخ دولة إسرائيل.
انكشفت إسرائيل امام الأجيال الشابة، بما فيها اليهودية، في أوروبا واميركا وكندا، كدولة احتلال عنصري تقوم بمجازر وبتطهير عرقي وتعلن خطاب إبادة جماعية.
وهذا الرفض والغضب المتزايد للممارسات الغربية المنحازة يعبر عن نفسه في المظاهرات المختلفة وفي الخلافات التي وصلت الى قلب وزارة الخارجية الأميركية حول نهج الإدارة الداعم لإسرائيل في حربها على غزة.ناهيك عن رسائل الاحتجاج لمئات الموظفين والاستقالات وفي الدعاوى المرفوعة.
طال التغيير أيضا المواقف العربية الإسلامية، فللمرة الأولى يجتمع قادة 57 دولة ويتفقون على رؤية واحدة تجاه القضية الفلسطينية. ما عدا استثنائين، احدهما بدفع من ايران التي تلعب على عدة حبال.

المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها