فرانسوا ضاهر

الأثنين ١١ كانون الأول ٢٠٢٣ - 17:41

المصدر: صوت لبنان

في ثنائية المارونية السياسية

في ثنائية المارونية السياسية:

إن الحروب العبثية الثلاثة التي خاضتها الحكومة الانتقالية برئاسة العماد ميشال عون، ما بين ١٩٨٨/٩/٢٢ و ١٩٩٠/١٠/١٣، قد أسقطت المشروع السياسي للجبهة اللبنانية كذلك الأرضية الجغرافية (المنطقة المحرّرة) التي كان يقوم عليها ذلك المشروع. وتسبّبت في إخضاع لبنان بأسره للوصاية السورية، وإفقاد الموارنة لمعظم الصلاحيات الدستورية التي كان يضطلع بها رئيس الجمهورية بدستور ١٩٢٦، نتيجة التعديلات التي أجريت عليه بإتفاق الطائف سنة ١٩٨٩.

إثر هذه الوضعية المستجدة، جهد بعض الموارنة، بعد إنكفاء الوصاية السورية عن لبنان سنة ٢٠٠٥، وعودتهم الى المشاركة الكاملة في الحكم وفي تكوين المؤسسات الدستورية المركزية في الدولة، الى إتمام تحالفات سياسية مكّنتهم من إعتماد تفسيرات ومصطلحات وممارسات لا تأتلف وأحكام الدستور، لكنّها أسهمت في تعزيز صلاحيات رئيس الجمهورية واقعاً وممارسةً، مقابل تغطيتهم للمشروع السياسي الخارق للسيادة الوطنية لهؤلاء الحلفاء.

يقابل هذا التوجّه والسلوك فريق آخر من الموارنة يستند الى فكر دستوري سيادي ويقوم على إحترام الميثاق الوطني اللبناني والتقيّد بأحكام الدستور ومراعاة مقتضياته وإسقاط الممارسات والتفسيرات والمصطلحات الخاطئة والإقلاع عن إعمالها والامتناع عن عقد التحالفات السياسية التي تعرّض السيادة الوطنية او تنتهكها بأي شكل او قدر كان. على إعتبار أن شأن هذا الفكر الدستوري السيادي أنه يعزّز إعادة بناء مؤسسات الدولة على قواعد سليمة وموضوعية. بحيث يكون الدور الذي يلعبه رئيس الجمهورية ومكانته الذاتية هما الجاذبان لمنحه صلاحيات أكبر وأوسع وأشمل في السلطة الاجرائية وفي مؤسسات الدولة عامةً من تلك التي تعود له وفق أحكام الدستور الصريحة والناطقة. على أن يصار الى تحيّن المطالبة بإتمام تعديلات دستورية تُعيد الى رئيس الجمهورية صلاحياته الرئاسية السابقة، ما أمكن التوصل الى هذا الأمر.

لذا، يعود للموارنة المفاضلة بين المقاربتين لممارسة رئيس الجمهورية لصلاحياته واللتين تتنازعان الطبقة السياسية الحاكمة بشقّيها، ومن ورائها آراء القانونيين والدستوريين والمفكرين المسيحيين الموارنة عموماً. علماً إن المقاربة الأولى تستند الى تحالفات سياسية تمسّ بالسيادة الوطنية، وإن الثانية تنأى بلبنان عن الصراعات والتدخلات الخارجية الإقليمية والطائفية في إدارة شؤونه وأوضاعه وأزماته.

 

المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها