بتول يزبك

الأربعاء ٦ كانون الأول ٢٠٢٣ - 20:29

المصدر: المدن

قمة المناخ: نحو العدالة المناخيّة للدول العربيّة الأشدّ تضرّرًا

كُثرٌ في العالم العربيّ، ينظرون للنقاشات والمخاوف المقرونة بالتّغيّر المناخيّ وكأنّها رفاهيةٌ يسهل التّغاضي عنها، فكرة عبثيّة تشاؤميّة ممزوجة بالذنب العالمي تجاه كوكب الأرض، ذنبٌ مؤقت يُستذكر مرّة كل سنة، فيما يحمل عبئه بعض النشطاء البيئيين و”النباتيين” باقي الأيام. “ثقافة” التّغاضي هذه كان لها الإسهام الأكبر في وضع العالم العربيّ تحديدًا أمام الجرف المنحدر الذي يقف عليه حاليًّا، المعضلة الأكبر التّي من شأنّها تعميق كل الأزمات.

اليوم وبانطلاق فاعليات مؤتمر الأطراف في اتفاقيّة الأمم المُتحدة الإطاريّة بشأن التّغيّر المناخيّ أو كما يُصطلح على تسميته بقّمة المناخ، الذي احتضنته الإمارات العربيّة هذا العام بنسخته الثامنة والعشرون “COP28”، بات أمام العالم العربيّ والشرق الأوسط تحديدًا، الفرصة لتدارك هذا المأزق، والوقوف عنده وانتزاع الحقّ بالتعويضات من المُلوثين التّاريخيين في “عالم الشمال”.

قمّة المناخ
يهدف المؤتمر الحاليّ الذي انطلقت نشاطاته في 30 تشرين الثّاني الفائت، والذي شارك فيه نحو 140 رئيس دولة أو حكومة، لاستكشاف السُبل المطلوبة لتمكين وزيادة التزامات هذه الدول للحدّ من من ارتفاع حرارة الأرض إلى حوالى 3 درجات مئوية، مقارنةً بالفترة التّي سبقت الثورة الصناعيّة. وقد أعلن رئيس دولة الإمارات العربيّة المتحدة، الشيخ محمد بن زايد، خلال افتتاح قمة رؤساء الدول في المؤتمر، عن إنشاء صندوق خاص بقيمة 30 مليار دولار للتعامل مع قضايا التّغّير المناخيّ. ويرمي هذا الصندوق إلى سدّ فجوة التّمويل المناخيّ وتسهيل الوصول إليه بتكلفة معقولة، بالإضافة إلى تحفيز جمع واستثمار مبلغ يصل إلى 250 مليار دولار بحلول عام 2030.

الانقسامات المناخيّة والسّياسيّة
إلا أن القمّة لم تخل من الانقسامات الدوليّة المُتعلقة بالمطالب المطروحة، وخصوصًا بما يرتبط بالنسخة الأوليّة التّي نُشرت منذ أيام لمشروع اتفاق أعدته كل من سنغافورة وبريطانيا، حيث نصّت المسودة المزمع استخدامها كأساس للمحادثات بين مفاوضين يمثلون نحو 200 دولة في نهاية المؤتمر، على ضرورة أن يخفض العالم استخدام الوقود الأحفوريّ أو يتخلى عنه، ما جعل التّوافق على مصطلحي “خفض” و”تخلي” نقطة شائكة لم تتفق عليها الدول الأطراف بعد. وهذا الواقع الذي أضاف نوعًا من الضبابيّة – حسب ما يُشير مراقبون – لأهداف القمّة المُنعقدة كتقييم عالميّ لاتفاق باريس للمناخ 2015، وتحديدًا بغياب كل من الرئيس الأميركيّ جو بايدن والصيني شي جينبينغ، اللذين يتسبب بلداهما بـ40 بالمئة من إجماليّ انبعاثات الغازات الدفيئة في العالم.

والانقسام حول السّياسات المناخيّة، لم يكن الانقسام السّياسيّ الوحيد، إذ أن ما يعتمل في غزّة التّي صادف موعد انتهاء الهدنة فيها موعد انطلاق المؤتمر، كان على طاولة النقاشات، على اعتبار أنّه يصعب الحديث عن المناخ من دون ذكر ولو بالحدّ الأدنى المجزرة بحقّ الإنسان والمواطن الفلسطينيّ. وقد شهد المؤتمر انسحاب بعض الوفود وإلغاء زعماء كلماتهم، في حين غاب آخرون عن هذا الحدث الدولي، فيما استنكر كل من الرئيس التّركي والكولومبي والكوبي وجنوب أفريقيا، الجريمة الحاصلة والإبادة الجماعيّة، بينما لم يتطرق الرئيس المصريّ للحديث عن الموضوع، فيما غاب أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني عن قائمة المتحدثين النهائية رغم تسجيل اسمه في البداية، ولم يحضر ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان القمة، على الرغم من التوقعات بأن يكون أول المتحدثين، بينما اعتذر الرئيس الفلسطينيّ عن الحضور وتبعه إلغاء رئيس الاحتلال الإسرائيلي كلمته، فيما سُجل انسحاب مفاجئ للوفد الإيرانيّ.

لبنان والشرق الأوسط
اللافت كان خلال المفاوضات الجاريّة تعهد 117 دولة بمضاعفة قدرة الطاقة المتجدّدة في العالم ثلاث مرات بحلول عام 2030، من ضمنها ثماني دول عربية وهي اليمن، لبنان، الأردن، المغرب، الإمارات، تونس، عمان وسوريا (والالتزام هذا هو 3 أضعاف الالتزامات العاديّة) الأمر الذي يفرض تساؤلًا وخصوصًا ببروز اسم لبنان وسوريا على القائمة. هذه الدول المعروفة أكثر من غيرها بمخالفة التزاماتها القانونيّة والدوليّة، بل وبفشلها بصياغة سياسات ناجحة على مختلف الصُعد، فهل سيكون هناك رقابة على هذه الدول التّي تقع ضمن لائحة المناطق الأكثر تضرّرًا من التّغير المناخيّ لإيفاء التزاماتها، وتوزيع المساهمات الماديّة بصورة عادلة؟

هذه التّساؤلات طرحتها “المدن” على منظمة Green Peace MENA، والتّي هي من المنظمات البيئية العربيّة القليلة المُشاركة في القمّة، للاستفسار منها عن حجم التّعويل الحقوقيّ على الالتزامات هذه. وعليه، أجابت مسؤولة الحملات في المنظمة، كنزي عزمي، بالقول: “تعهد لبنان (الذي شارك بوفد كبير بالقمّة) وسوريا بمضاعفة قدراتهما في مجال الطاقة المتجددة ثلاث مرات بحلول عام 2030. وهذا أمر مهم بالنسبة لهذين البلدين الصغيرين اللذين مرا بالعديد من الحروب والصعوبات الاقتصادية، ولن يكون الأمر سهلًا. يجب أن تسير آلية التمويل الشاملة جنبًا إلى جنب لدعم التحول في هذا البلد. تمويل ميسور التكلفة ولا يأتي في شكل ديون تزيد من تفاقم الأوضاع الاقتصادية في هذه البلدان”.

بما يرتبط بإمكانيّة التّخلص التدريجيّ من الوقود الأحفوريّ في لبنان، والذي هو الآن أساسًا في صدّد استخراج أحد مصادره، وهو النفط الذي من شأنه كما يزعم السّاسة النهوض الجزئي بالاقتصاد المنهار، لكن يدفع بالمقلب الآخر حصّة بالغة من الفاتورة المناخيّة (راجع “المدن”)، وعن مدى واقعيّة هذا المطلب تُؤكد عزمي: “تتأثر البلدان العربية بشكل كبير بتغير المناخ، ولذلك فمن مصلحتها حماية شعوبها والتأكد من محاسبة الملوثين التاريخيين. هذا العام، اضطلعت دولة الإمارات العربية المتحدة بدور قيادي قوي، من خلال دفع صندوق الخسائر والأضرار إلى الأمام والبدء في تعهدات الطاقة المتجدّدة وكفاءة الطاقة، ولكن الطريقة الوحيدة لإنجاح مؤتمر الأطراف هذا هي الالتزام معًا بالتخلص التدريجي العادل للوقود الأحفوري، سواء كان ذلك في سياق ضريبة السلع والخدمات أو/وقرار التغطية والتأكد من تحمل الملوثين التاريخيين الأثرياء لتلك المسؤولية من خلال المساهمة في تمويل المناخ”

مُضيفةً: “بالنسبة لدول مثل لبنان وسوريا وفلسطين، تمثل مصادر الطاقة المتجددة فرصة للحفاظ على السيطرة على مواردها الطبيعية وتزويد شعوبها بمصادر الطاقة المستدامة. ولكن هذا من غير الممكن أن يتم من دون القدرة على الوصول إلى التمويل (في هيئة منح) لمساعدة بلدانهم على التحول العادل في مجال الطاقة. ولابد أن يكون هذا غير طوعي وأن يتم تمويله من قِبَل الدول الأكبر تاريخياً في إطلاق الانبعاثات في شمال الكرة الأرضية”. معقبةً أنّه: “وفي حالة فلسطين، لا يمكن أن يحدث شيء من دون وقف شامل لإطلاق النار أولًا”.

وفيما عُدَّ هذا المؤتمر واحدٌ من الفرص الضئيلة لإظهار بادرة حسن نيّة لوضع مصالح الإقليم في الصدارة، وخصوصًا للدول التّي عانت ما عانته من مغبة الصراعات المُسلّحة والهشاشة الاقتصاديّة وموجات النزوح المستمرة، للمطالبة بالعدالة المناخيّة والتّمويل العادل، إلا أن الحدث العالميّ الضخم، تحول إعلاميًّا إلى واقعةٍ هامشيّة بموازاة ما يحصل من مقتلة دمويّة في غزّة، بل ولم يحظ بالشعبيّة أو الصدى العربيّ والدوليّ الذي حاولت الإمارات تحصيله من أكبر المؤتمرات العالميّة الراميّة للتّصدي لتداعيات التّغيّر المناخيّ؛ وذلك لا لشائبةٍ فعليّة في فحوى المؤتمر وماهيته، بل وبالإمكان الركون إلى فكرة جوهريّة لم يتوانَ نشطاء المناخ أنفسهم عن الحديث عنها، مفادها أن لا عدالة للمناخ إذ كانت عدالة الإنسان، بالمرتبة الأولى، منقوصة.

المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها