خضر حسان

الأربعاء ٢ آب ٢٠٢٣ - 18:39

المصدر: المدن

قيود مبطَّنة على أموال النفط والغاز: “الصندوق” مهدَّد بالفساد

أنهت لجنة المال والموازنة، عملية نَحتْ قانون “الصندوق السيادي اللبناني للنفط والغاز” الذي رُسِمَت معالمه منذ العام 2010، داخل المادة 3 من قانون الموارد البترولية في المياه البحرية، والتي تنصّ على “إيداع العائدات المحصَّلة من قِبَل الدولة الناتجة عن الأنشطة البترولية أو الحقوق البترولية، في صندوق سيادي”.
وشَرَح رئيس اللجنة النائب إبراهيم كنعان، يوم الأربعاء 2 آب، التفاصيل المتعلّقة بالصندوق لناحية هويّته وطريقة إدارته واستثمار أمواله في الداخل والخارج. على أن المسار الإصلاحي المرتبط بالصندوق، اصطدم بالواقع، رغم محاولات كنعان التأكيد على صورة مغايرة. فكل ما يتعلّق بقرارات مجلس إدارة الصندوق واستثماراته، مقيَّدة بشكل مُبَطَّن بمصالح السلطة السياسية.

ضمانات وأمنيات
بموجب القانون الذي أقرّته اللجنة، إن الصندوق هو “مؤسسة عامة ذات طابع خاص، لا تخضع لقواعد الإدارة وتسيير الأعمال والرقابة التي تخضع لها مؤسسات القطاع العام”. وبرَّر كنعان هذه الصيغة بين العام والخاص بأن “أموال الصندوق هي ملك للدولة وليس للسلطة السياسية، وللمحافظة على استقلاليتها، كان الطابع الخاص”.

أما مجلس إدارة الصندوق، فيتمتّع “بأوسع صلاحيات تتعلّق بتحديد أين ستُستَثمَر الأموال المفترض أنها بعشرات مليارات الدولارات”. وتبقى الأموال المجمّعة من العائدات النفطية مملوكة للدولة، وتُقسَم داخل الصندوق إلى محفظتين، الأولى للادّخار والثانية للتنمية. وحسب كنعان “ممنوعٌ السحب والصرف والإنفاق من المحفظة الأولى، بل يُستَثمَر ما لا يقل عن 75 بالمئة من الأموال بمشاريع خارج لبنان”. ما يمكن استعماله في لبنان يرتبط بالمحفظة الثانية التي تموِّلها العائدات الضريبية المفروضة على النشاطات النفطية وما يرتبط بها “وتلك الأموال، لا تذهب إلى الخزينة، بل إلى الصندوق السيادي، وتمَوَّل منها مشاريع منتِجة يُتَّفَق عليها مع الحكومة”.
ولتحصين الصندوق وأمواله، وضعت اللجنة أسسه انطلاقاً من “المعايير العالمية المعتمدة دولياً لإنشاء الصناديق السيادية، ومنها مبادىء سنتياغو لصندوق النقد الدولي”. كما أن جميع الخطوات المرتبطة بالصندوق يتم التدقيق بها عبر “مدقِّق خارجي لحسابات الصندوق، معتَرَف به دولياً”.
ولضمان الرقابة والمحاسبة، يخضع كل ما يتعلَّق بالصندوق لـ”مدقق حسابات خارجي، ومدقق آخر لتقييم الأداء، ولرقابة مؤخَّرة من ديوان المحاسبة”.
ولأن العِبرة بالتنفيذ وليس بالأماني والحبر على الورق، أمل كنعان من الهيئة العامة لمجلس النواب إقرار هذا القانون. كما استند في تدعيم ما وصلت إليه لجنته، إلى “القيود الموضوعة” على عمل القيِّمين على الصندوق، وهي قيود “الرأي العام المحلّي والعالمي” لضمان حسن الانتفاع من أموال الصندوق.

أصفاد اللعبة السياسية
الأماني والقيود الشكلية المرتبطة بالرأي العام وآمال التدقيق الداخلي والخارجي، تقابلها قيود فعلية تعيد تكبيل الصندوق ومجلس إدارته واستثماراته وأمواله بأصفاد السلطة السياسية، عن طريق مجلس الوزراء.

ووفق ما قاله كنعان، فإن “الرابط القانوني لتعيين مجلس الإدارة، هو مجلس الوزراء”. لكن للتقليل من قوة هذا القيد “يتم التوظيف ضمن لائحة يضعها مجلس الخدمة المدنية وشركة دولية خاصة بالتوظيف، يقومون وفق شروط محددة بإعداد لائحة مؤهَّلين، تكون خبراتهم مرتبطة بالصناديق السيادية وصناعة القرارات وتطوير الرؤية الاستراتيجية المالية، وخبرات تشغيلية لا تقل عن 10 سنوات في بنية تحتية أو أصول عقارية أو أسهم خاصة برأسمال لا يقل عن مليار دولار”. ومن تلك اللائحة “يختار مجلس الوزراء، مجلس إدارة الصندوق السيادي”.
ولمجلس الوزراء أيضاً الموافقة على ما يطرحه مجلس الإدارة حول الإستثمار. وبرأي كنعان، لا تشكِّل تلك الموافقة قيداً على الاستثمار أو تدخّلاً بوجهة استعمال الأموال، لأن اقتراحات المشاريع الاستثمارية ستقوم على “خطط علمية ولا مجال لمجلس الوزراء بعدم الموافقة على أغلبها”. أي أن كنعان يفترض هنا أن مجلس الوزراء هو مجلس نخبة من المستثمرين والخبراء المستقلّين، يقرّرون المشاريع الأنسب للاستثمار بها، وفق معطيات علمية بحتة، لا علاقة للسياسة بها. وللمفارقة، هي نفسها القوى السياسية الممثَّلة اليوم في مجلس الوزراء، ستقرر لاحقاً هوية المشاريع الاستثمارية لأموال الصندوق.
على عكس ما قاله كنعان بأن عملية صياغة القانون “لم تنزلق إلى فخ التسويات التي تعيدنا إلى أمراض سياسية لبنانية تقليدية من محاصصة طائفية وسياسية”، انزلقت العملية بشكل كبير في التسويات، بدءاً من وصاية مجلس الوزراء، وإن لم يُعلَن ذلك فعلياً، لكن ربط التعيين واختيار المشاريع، بالمجلس، هي نقطة البداية، وصولاً إلى فتح المجال أمام استخدام جزء من أموال الصندوق في إطفاء الدين العام، أي الثروة التي من المفترض أنها ملك الأجيال القادمة، في محو آثار فساد السلطة السياسة. ومع أن هذا الاستعمال لم يُقَر صراحةً وبشكل حاسم، إلا أنه “تم طرح فكرة أنه في حال بات هناك فائضاً أولياً في الموازنة وفي قطع الحساب، عندها، ومن محفظة التنمية فقط، يكون هناك إطفاءً للدين. وإقرار الفكرة ينتظر الهيئة العامة لمجلس النواب”.

التجربة مع السلطة السياسية حيال الشركات الأجنبية، سواء المستثمِرة أو المدقِقة في لبنان، غير مشجِّعة. فاللعب على عامل الوقت والإيعاز لشركة أو أكثر لتحضير أوراقها تمهيداً للتعاقد معها قبل غيرها، هو ما تحترفه السلطة. واختيار شركة كارادينيز لبواخر الطاقة، أكبر مثال على ذلك. أما نشر التقارير لتأكيد الشفافية والوضوح، فإن احتجاز تقرير التدقيق الجنائي مثال صارخ. ومجلس الوزراء، فحدِّث ولا حَرَج عن تنظيمه وإدارته للمشاريع والصناديق والهيئات، واتخاذه للقرارات التي أوصلتنا إلى ما نحن عليه، بالتكافل والتضامن مع السلطة التشريعية. وبذلك، فإن أموال الصندوق التي وصفها كنعان بأنها “احتياطي نقدي للبلد، تكون ضمانة ثانية مع الذَهَب”، ستكون مهدَّدة بالفساد. علماً أن كل ما يُرسَم اليوم، هو إطار تنظيمي لثروة ما زالت سمكاً في البحر، لا نعرف حجمها، وما إذا كانت ستخرج أم لا.

المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها