منى فياض

الأحد ١٤ تشرين الثاني ٢٠٢١ - 08:51

المصدر: الحرة

كيف نجح الأردن في التعامل مع التحديات التي فشل أمامها لبنان: المسألة الفلسطينية

شكّل احتلال فلسطين تحدياً للبلدين الصغيرين، الأردن ولبنان، لاستقبالهما مئات آلاف اللاجئين نتيجة الاحتلال الصهيوني.

أصبحت غالبية سكان الأردن من الفلسطينيين الذين أجبروا على النزوح من ديارهم أول مرة من فلسطين في 48، حيث استطاع استيعاب اللجوء بحكمة وذكاء، وساعده الاندماج السكاني التاريخي بينهما. كما أن معظم الوافدين إليه كانوا أغنياء عموما ومتعلمين فساهموا بنهضة الأردن. 

حصل اللجوء الثاني من الضفة الغربية بعد أن اشترك الاردن بحرب في1967، انطلاقاً من التزامه بالمصلحة العربية. فخسر القدس وغور الأردن. وفور انتهاء الحرب، نقل الفدائيون الفلسطينيون، بقيادة منظمة التحرير، قواعدهم العسكرية إلى الأردن، في الفترة بين 1967 إلى 1968 وصعّدوا الأعمال العسكرية ضد قوات الاحتلال الإسرائيلي. وزادت الدول العربية في دعمها المادي والمعنوي للفدائيين.

نشطت القوات الفدائية الفلسطينية بمعزل عن النظام الأردني، ودون أي تنسيق معه، ما جعلها أشبه بدولة داخل الدولة. فارتفع منسوب الغضب في الأوساط الأردنية. شهد العامان 1970 و1971 صراعا وتوتراً داميا في العلاقة بين السلطات الأردنية وبين المنظمات الفلسطينية، قبل أن تأتي أحداث استثنائية في العام 1970 ويأمر الملك حسين جيشه بالدخول في مواجهة شاملة مع المنظمات الفلسطينية، في “ميني” حرب أهلية يكاد يُجمع الكل على أنها كانت معركة من أجل البقاء.

انتهت المواجهة بإخراج الفصائل الفلسطينية من الأردن وانتقالها إلى لبنان وتعزيز قواعدها فيه. وبدأوا شن هجماتهم على إسرائيل مما سمّي فتح لاند.

وبينما استطاع الملك حسين أن يستوعب ما حدث في أيلول الاسود ويؤمن الاستقرار للأردن ويحفظه. نفس الامتحان، تسبب بانقسام لبنان وأدخله في حرب أهلية لم يخرج من تداعياتها ونتائجها حتى الآن.

اللجوء الفلسطيني الأول إلى لبنان في العام 1948، على عكس الأردن، شكل عبئا على السكان بسبب دقة التوازن الطائفي، ولما نتج عنه من هجرة جنوبية فلاحية تجاه بيروت، أشعرتهم بالتهميش والحرمان، الذي أضيف فوق الحرمان الذي عانوه مع السلطنة العثمانية.. وظهرت إثر ذلك حركة موسى الصدر الذي نظّم الشيعة فأُنشئ المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى وتشكلت حركة المحرومين.

وكانت هذه إحدى قواعد الاشتباك التي ستظهر نتائجها لاحقاً.

أما الدخول الفلسطيني الثاني إلى لبنان، فكان مسلحاً إثر قبول المفاوض اللبناني باتفاق القاهرة عام 69 الذي سمح للفلسطينيين – السنة في بلد الطوائف – بحق العمل العسكري من جنوب لبنان، مع ما عناه من رمي ثقل القضية الفلسطينية على أصغر بلد عربي، فأدّى للخلل الكبير الثاني واندلعت الحرب الأهلية.

نتج عن فتح جبهة الجنوب الاجتياح الاسرائيلي عام 1982، وسط رفض سكاني لممارسات الفلسطينيين التسلطية، ولو بدرجة أقل من تسلّط حزب الله الحالي، ما جعل السكان يستقبلون الإسرائيلي بالأرز، قبل أن يتحولوا إلى مقاومته.

ما كان للحرب الأهلية أن تندلع لولا خط الانقسام اللبناني الداخلي الذي يجعل من المسلمين ميالين إلى القضايا العربية، فرحبوا بالسلاح الفلسطيني، بينما يميل المسيحيون إلى الغرب وفرنسا خصوصا. فاختل التوازن الهش بين الطوائف ووضع الفئتين في مواجهة بعضهما البعض.

ارتكز هذا الانقسام أيضاً على خلل إضافي للانقسام السياسي، وهو وجود انقسام أو صراع آخر على المستوى الاقتصادي – الاجتماعي. وذلك على خلفية جمود النظام اللبناني الذي أوصلت إليه ممارسات المارونية السياسية التي رفضت التخلي عن أي من امتيازاتها عشية الحرب الأهلية.

هذه الانقسامات تجعل الطوائف المتنازعة تلجأ إلى تحالفات مع طرف خارجي على حساب أو ضد الطرف الداخلي الخصم. فمررنا بأزمنة سياسية عدة (الناصرية، الفلسطينية، السورية، الاسرائيلية، السعودية والإيرانية الآن). يُسمح للخارج بوضع يده على السلطة السياسية، (خاصة عندما يترافق ذلك مع السلاح كحالة الفلسطينيين والسوريين والإيرانيين) مقابل منافع سلطوية ومصالح فئوية. لكن الاستعانة بجيش النظام السوري كان إيذاناً بالخراب العظيم والذي دخلت بواسطته إيران.

ولا بد هنا من الإشارة أنه في كل مرة ابتعد فيها لبنان عن الحياد الضمني الذي مارسه المؤسسون الأوائل في التأكيد على دور لبنان كصلة وصل بين الغرب والشرق، وكفله ميثاق 1943 الوطني، دخل في صراعات داخلية وعنف أهلي.

عندما نعاين موقع الأردن بين دول مجاورة ذات خصوصيات تنعكس على وضعه الداخلي وعلى توازناته واستقراره بأشكال مختلفة تتعلق بالحقبة التاريخية من ناحية وبخصوصية النظام المجاور من ناحية اخرى، أدت في بعض المراحل إلى دخول الأردن الجبهات القتالية المفتوحة التي لم ينتج عنها سوى خسارة الأرض وهزائم الجيوش وإظهار ضعف قدرة الدفاع عن الذات وحفظ السيادة.

مع ذلك وبالرغم من الصعوبات التي يعانيها، ظل الأردن بعيداً عن المخاطر والعنف الذي تعرضت لها بعض البلدان المجاورة له كسوريا والعراق ولبنان.

لا نستطيع أن نرجع ذلك سوى إلى السياسات التي أرساها الملك حسين، الذي اختار، كبديل عن بلاغة خطابات المواجهة وادعاءاتها، الكلامية في معظم الأحيان، اعتماد سياسات مختلفة تتسم بالاعتدال وتعمل على المعاهدات الأمنية والتسويات لتهدئة الأمور سلمياً؛ كمثل قرار التخلي عن الضفة الغربية بدل المواجهة مع السلطة الفلسطينية. وهو بهذا يعرقل خطط إسرائيل بالتخلص من إقامة دولتين بواسطة إيجاد وطنا بديلاً للفلسطينيين.

بينما شكّل إدخال لبنان في خضم الصراعات، منذ مطلع السبعينيات، بحلقات عنف متجددة، لكنه لم يتحوّل إلى المواجهة والعدائية مع نظام المصلحة العربية، إلا بعد هيمنة إيران عليه. أدخلته مشاركة حزب الله، كتابع للحرس الثوري يتصرف باسم الطائفة الشيعية، في الحروب لصالح تمكين النظام الإيراني الذي لم يدخل بلداً إلا وخربه. من سوريا الى اليمن مروراً بالعراق. فأصبح لبنان بلداً معتدياً على الجوار. لكن ذلك تسبب بخرابه وانهياره غير المسبوق.

الفرق بين الأردن ولبنان، أن الحكم في الأردن يحظى بشرعية تاريخية لا تسمح بوضعه موضع تساؤل عند أي أزمة. بينما العكس في لبنان، إذ يوضع النظام موضع تساؤل عند كل منعطف، بدل ممارسات الهيمنة بدلاً لصالح الخارج. ذلك أن أطماع زعماء الطوائف تجعلهم يمعنون في تأجيج العصبيات المذهبية والطائفية خدمة لمصالحهم، ضاربين عرض الحائط مصلحة الدولة اللبنانية والنظام العربي.

وفي حين عمل الملك حسين على تغليب المصلحة العربية في لحظات الخطر الكبرى كدخول حرب 1967 (خسارته الضفة للوقوف مع مصر)، من ضمن سياسة تغليب التناقض الاساسي على التناقض الثانوي، مع ممارسة الحياد عموماً؛ مُنِع لبنان من ممارسة الحياد والالتزام بالمصلحة العربية العليا، وأصبح رهينة شعارات تحرير القدس الفارغة من أي مضمون. لم ينتج عن كل هذه المقاومات المتناسلة سوى الانهيار التام الذي نعيشه، باسم الكرامة والقضية، دون حصول أي تقدم فيما يخص القضية الفلسطينية، بل العكس!!

فأي فائدة استراتيجية نتجت عن تدمير لبنان تحت شعار تحرير فلسطين، سوى خراب لبنان وفلسطين لصالح تمكين إسرائيل وهيمنة إيران؟ 

المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها