منى فياض

الأحد ١٣ شباط ٢٠٢٢ - 09:11

المصدر: الحرة

لبنان الخاضع لمنطق الغلبة والاستقواء

الاستقواء المستتر: مشهد الذكرى السنوية الاولى لاغتيال لقمان سليم 

بعد ظهر الثالث من فبراير سأل سائق التاكسي: ما الذي يجري اليوم؟ لم كل هذه العجقة؟ فالازدحام كان خانقاً عند مداخل الضاحية الجنوبية التي طفحت بالحواجز الامنية.  

ازدحم أيضاً مدخل بيت لقمان، حيث أقيمت الذكرى، في عرين حزب الله. استنفار أمني، عساكر ورجال شرطة وجيبات وسكانر لتفتيش الحقائب تأميناً لسلامة المشاركين.  

في الداخل تتابع وصول الوفود الدبلوماسية من سفراء وممثلين لكبرى السفارات الغربية. كادت أعدادهم تفوق أعداد المشاركين المحليين من رفاق الشهيد وأسرته. حضروا جميعهم لإدانة التصفيات الجسدية للمعارضين السياسيين. جاءوا ليعربوا عن رفضهم لإفلات المجرمين المزمن من العقاب ولإحقاق العدالة. وُجّهت أصابع الاتهام الى حزب الله نفسه في هذه الجريمة.  

المفارقة، أنه وبعد عام بالتمام والكمال، وبعد ضغط شعبي ودبلوماسي على هذا المستوى، لا يزال العجز عن استكمال التحقيق سيد الموقف. الجناة أحرارا ومستعدون للقتل مجدداً.  

وقفنا ألى جانب ما كاد أن يكون مجلس الأمن مجتمعاً، نتأسف وننعي ونرفض وندين، بالكلمات. شاركناهم الحضور والحزن، لكن العجز أيضاً!! خصوصاً أن الجميع يعلم ان من بين الحضور من تضمه لوائح القتل الذي سبق ووزعتها قنوات حزب الله الإعلامية وكان لقمان على رأسها. 

طبعاً لمس الدبلوماسيون، مرة إضافية، الحصار والعداء المحيطان بالبيت وزواره، والذي عبّرت عنه طفلة خالفت أسرتها وتسللت الى بيت الشهيد كي تسلّم على أخته رشا وتخبرها انها جاءت تدعهما بالرغم من ان أمها تمنعها من زيارتهم لأنهم “ملحدون”!!  

صحيح تمكنّا من إحياء ذكرى اغتيال لقمان في جنة حزب الله، لكن لأنه سمح لنا بذلك. 

منطق الغلبة 

لقد بلغ استقواء الحزب حداً أباح لجواد نصرالله، ابن سماحته، بكتابة تغريدته الشهيرة، قبل ان يُعلن مقتل لقمان، جاء فيها:” خسارة البعض هي في الحقيقة ربح ولطف غير محسوب”. وأرفقها “بلا أسف”. لكنه اضطر إلى حذفها لشدة استنكار الرأي العام وربما لأنها قرينة. 

تدرّج حزب الله بإظهار استقوائه وغلبته. فبعد أن أقنع جمهوره بأنهم أشرف وأفضل الناس، فحتى دولاراتهم الأميركية الخضراء “نظيفة” لا تشبه دولارات الأعداء!!  صار بإمكانه مع انتهاء حرب 2006 ، أن يتمرن على لغة التخويف والتهديد لتتسيد خطابه مع الوقت.  

 بعد اغتيال الحريري، مررنا بمراحل عدة من التهديد الذي استوى أداة تسلط وتحكم. التخويف بالكلام وبالأفعال من تطويق بيروت بالسواتر الترابية العملاقة الى حلق ذقون مشايخ سنة وغير ذلك. وبعد ان استتب له اتفاق مار مخايل، نفّذ غزوة بيروت الشهيرة التي راح ضحيتها حوالي 100 قتيل من المواطنين العزّل، وكوفئ إثرها بالثلث المعطّل في الدوحة ليعطّل البلاد عند كل مفترق فيفرض هيمنته. ناهيك عن مسلسل الاغتيالات الذي اتهمت به اسرائيل، وبرهنت المحكمة الدولية أن الحزب هو طرف خيطها.  

للتخويف أدوار مختلفة، تجميد الخصم والسيطرة عليه من جهة؛ لكنه أيضاً يعمق الخوف الدفاعي عند البيئة الحاضنة نفسها. فتخاف “الآخر” الذي تخيفه وتجعله العدو بدل الشريك، فيسهل ضبطها.  

تحوّل الإصبع المرفوع الى أخفّ وسيلة تخاطب يتوجه فيها الحزباللوين الى اللبنانيين، سواء كانوا نواباً او مسؤولين او مواطنين عاديين. ما سمح لصحافي بالقول للمعارضين: “تحسسوا رقابكم”! فأدرجت تعابير الجزارين الى قاموس السياسيين: فصار تقطيع الأيدي والرؤوس والأوصال من عاديات اللبناني، تخْفُت وتقوى بحسب مراحل النزاع ومحطاته. يمكن تأليف كتاب لتعداد محطات التهديد ومناسباتها ومراحلها، من الاصبع الى الاغتيال الى تعطيل البرلمان والحكومات وفرطها وفرض رئيس الجمهورية والاعتداء على الثوار في17 اكتوبر الى مطالبته بقلع المحقق القضائي البيطار.  

شكلت الحرب السورية محطة اخرى، فدافع عن انخراطه فيها عبر التهديد “الخافت”:” نتصرف بصلابة أعصاب حتى لا نُستفز”. وكان هذا تذكيراً بالقمصان السود التي قلبت الأكثرية النيابية.  او على غرار حديث النائب محمد رعد :” نحن نعرف الى متى نصبر ومتى يحين اوان ان ننتقل الى مرحلة الفعل..”. 

الاستقواء المفضوح 

اكتسبت خطب نصرالله مع الوقت لهجة فوقية، آمرة وقاطعة، لدرجة رغبته بتسيير الأحداث بحسب أوامره، ليحل محلّ الخالق، فيكفيه ان يقول: كون، فيكون!! يكرر عبارات: “فورا».. «الآن».. «الآن يعني الآن». فلطالما أنهى الحرب السورية في مطلع اندلاعها، وقرر انتصار النظام السوري وحرر سوريا من “الداعشيين”، متناسياً أنه حرس عودتهم الآمنة في باصاته الخضراء المكيفة. 

يبدو ان اسم نصرالله صار يقترن بالتهديد والوعيد. ضع سؤال:” نصرالله يهدّد”، على محرّك غوغل فتحصل على 878 الف نتيجة!! 

ولقد بلغ الاستكبار حداً مكّن السيد نصرالله من التوجّه الى اللبنانيين والقوات اللبنانية، بعد مهاجمة “جمهور المقاومة الشريفة التي استعادت لبنان” منطقة الطيونة واجتياحها بالسلاح، من مخاطبة اللبنانيين قائلاً : ” لا تخطئوا الحساب، قعدوا عاقلين، قعدوا عاقلين، وتأدّبوا كمان”. والتأدّب الذي كان يفرض بالعصا أيام الكتّاب، يستند الآن الى قوة من مائة الف مسلّح من قبل الحرس الثوري الإيراني كما حرص على إعلاا. 

أغرب ما في مقابلته هذا الاسبوع، ظهوره تحت صورة كبيرة للخميني ولخامنئى ليحدثنا عن السيادة.  فجأة صارت السيادة هاجس السيد نصرالله!! فمن دروس البروباغندا الناجحة أن تتبنى خطاب العدوّ لتحاربه به. اعطانا درساً بشروط السيادة من استقلال وحرية، لكن تبين انه يقصد سيادة إيران!!!  

ان مطالبته بالسيادة، تحت راية وصورة زعيمي دولة اجنبية، تباهت مرات باحتلالها للبنان، عبارة عن تشويه وتسخيف لمعنى السيادة، ويجعلها خضوعاً للاحتلال الايراني الذي يموّل الماية الف مقاتل  بالدولارات (الاميركية) وبالمأكل والمشرب والسلاح. 

وبما ان الثلاثية الذهبية “جيش، شعب، مقاومة” بهتت، قام بالهجوم على الجيش اللبناني، موضع ثقة  الشعب اللبناني الوحيد، ليشكك بأمرة قيادته. وكأنه إعلان مسبق عن أن المهمة المتبقية أمامه، بعد أن أخضع السلطات التنفيذية والتشريعية ونسبياً القضائية، إخضاع الجيش لأمرته. فيتهمه بالأمركة!! نفس الجيش، الذي تغطى به وتحالف معه بعلاقته المعلنة والرسمية بالادارة الاميركية، يريد زرع الشك بوطنيته.  

يبدو أن الحزب ومن خلفه ايران، يريدان احتكار الاتصال بالأميركيين، فإيران لم تدخل الى العراق سوى خلف الدبابات الأميركية!! أما ملف الترسيم، فيتلطى الحزب خلف نبيه بري للتفاهم مع اسرائيل ومع الاميركان بانتظار محادثات فيينا ليقرر التصعيد وعرقلة الترسيم او المهادنة.  

إن أسهل الطرق لإبعاد الشبهات عن عمالتك، هي وصم الآخرين بها. يجري الآن تهيأة ملف “العمالات” للسفارات، فهناك سفارات بزيت، وسفارة إيرانية وحيدة بسمنة!! 

يعتقد نصرالله أن خطبه المهددة ستسمح له بالاستمرار بالتحكم باللبنانيين، لكن هذه الوسيلة أصبحت ممجوجة ومكشوفة. اللبنانيون ينفضون عنهم رداء الخوف ويقولون لا للحزب ولا للاحتلال الإيراني. لبنان لن تتحكم به طائفة مهما عظم شأنها، وخصوصاً ان ممثلها متهم بكونه أداة احتلال موصوفة. 

لا ينتج عن منطق التهديد والتخويف هذا، إلا اثارة الغرائز وتأجيّج المخاوف وتهديد السلم الأهلي. ويسهّل بروز تكتلات محلية خارجة عن القانون في مختلف المناطق والبيئات، خصوصاً  في بيئة حزب الله، لأن الاستقواء بذريعة الحماية تأخذ طابعا عائليا وعشائريا وأهلياً، فترافقها مظاهر تفلت اجتماعي لم تعد سلطة حزب الله وسطوته اليوم تكفي للجم انفلاتها. إنها مظاهر تتعاظم الى حدّ يجعلها عند أي ارتخاء امني معرضة لأن تنفلت من عقالها. 

المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها