سناء الجاك

الأثنين ٣ تموز ٢٠٢٣ - 12:41

المصدر: سكاي نيوز عربية

لبنان بين “الفتنة” و”الفيدرالية”

حضرت “الفتنة” على أعلى قمة جبلية في شمال لبنان، هي “القرنة السوداء”، وذلك بفعل جريمة قتل مزدوجة، حصدت قتيلين من عائلة واحدة وهما يتفقدان أملاكهما.

وموقع الجريمة يشهد نزاعا عقاريا وخلافات على مياه الري بين منطقتين بأغلبيتين من المسلمين والمسيحيين، مقابل تخلي الدولة اللبنانية عن استكمال اعمال المساحة وتحديد الملكية، مما أدى ويؤدّي الى اعتداءات على الأرض والمياه والأرواح.

وربما تبقى مثل هذه الإشكالات مألوفة، إلى حد ما، أينما كان وليس فقط في لبنان، لو أن القانون يأخذ مجراه قبل أو بعد وقوع الجريمة، ليُصار إلى إلقاء القبض على المرتكبين، ومعالجة النزاع العقاري. لكن عوضا عن ذلك، تصاعدت الدعوات لمطالبة أهالي الضحيتين بضبط النفس وتجنب “فتنة” تؤدي إلى حرب أهلية قد يندفعون إليها بفعل الغضب والشعور بالظلم.

والمفارقة في مثل هذا التحذير، أن يدعو إليه المعتدي أو الداعم للمعتدين، لتقتصر المعالجة الموضعية على مصالحات عشائرية، كان يمكن أن تنفع لولا أن لدى فريق كبير من اللبنانيين هواجس حيال هذه المسألة، التي تتجاوز الظاهر في أبعادها إلى باطنية خطة محكمة ترمي إلى السيطرة العسكرية على البلد بأكمله بما في ذلك المرتفعات والجرود، سواء في منطقة عرسال ذات الأغلبية السنية على الحدود الشرقية/الشمالية مع سوريا، حيث اِفْتُعِلَت، قبل سنوات، قضية إرهاب مشكوك بأمرها ومساراتها وأسفرت عن تسهيل “حزب الله” خروج الإرهابيين في باصات مبردة، ومن ثم وضع اليد على المنطقة، أو في القرنة السوداء حيث الحدود الشمالية، أو في عمق جبل لبنان في جرود جبيل حيث المنطقة التي تطل سفوحها الشرقية على البقاع. ما يعني ربط المناطق اللبنانية من قممها بخطوط عسكرية تؤمن انتقال مقاتلي “حزب الله” وقوافل إمداداته وسع الأراضي اللبنانية ومنها إلى سوريا.

وهذا الواقع الميداني يترافق مع واقع سياسي واضحة معالمه مع أزمة انتخاب رئيس للجمهورية، وإصرار الحزب على فرض مرشحه، وذلك من خلال تحكم حليف الحزب ورئيس مجلس النواب نبيه بري بعقد جلسات الانتخاب، من جهة، وبمنع اكتمال النصاب من خلال انسحاب نواب الحزب وحلفائه من الجلسات بعد جولة الانتخاب الأولى، من جهة ثانية، بما يضع فريق من اللبنانيين في خانة العجز ما لم يوافق على ما يفرضه الحزب.

بالتالي، لا غرابة إذا ما تحوَّلت “الخصوصية اللبنانية” المنبثقة من “التنوع الطائفي” إلى قنابل موقوتة بفعل الأزمات المتراكمة.

وأخطر ما في هذه القنابل الموقوتة هي دعوات متجددة ينادي بها مسيحيُّو لبنان للانفصال عن مسلميه تحت راية “الفيدرالية”. وتلتقي هذه الدعوات مع تلميحات لقادة الأحزاب المسيحية، بشأن إما “المطالبة بنظام لا يسمح بالتعطيل عند كل استحقاق”، أو باللجوء إلى أبغض الحلال وهو “الطلاق” عن الشركاء في الوطن، أو المطالبة “بحقوق المسيحيين” و”الترويج لحلف الأقليات”.

والذريعة الأساسية لتبرير هذه الدعوات والتلميحات تنطلق من ضعف الدولة المركزية، التي تغض نظرها، إما عجزا أو تواطؤا، عن التلاعب بالجغرافيا والديموغرافيا لتسهيل مشاريع الحزب.

لكن أصحاب “الفيدرالية” يتناسون أنهم يخدمون هذه الأجندة تحديدا: أولا لعدم توفر مواصفات علمية لأي تقسيم على رقعة لبنان المتداخلة مناطقه وطوائفه جغرافيا واجتماعيا.

وثانيا، وهو الأهم، مثل هذه الدعوات تشكل الذريعة المثالية لسعي “حزب الله” المستتر والدائم إلى نسف الدستور وتغيير النظام ليصير على قياس مصالحه، ما يقود حتما إلى أزمة أكبر وأخطر من الأزمة التي يعيشها لبنان حاليا.

لذا فإن قطع الطريق على “الفتنة” التي قد تندلع من أعلى قمة في لبنان أو من أصغر زقاق، لا يكون بمغامرات وأحلام “فيدرالية” لا مجال لتطبيقها، وإنما بالتمسك بالدستور وبتطبيقه حرفيا، وبوثيقة الوفاق الوطني (اتفاق الطائف)، وتنفيذ القرارات الدولية ذات الصلة من أجل استعادة السيادة والقرار الوطني وتثبيته في المؤسسات الرسمية والتشريعية.

المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها