مصطفى فحص

الأربعاء ٨ شباط ٢٠٢٣ - 15:47

المصدر: الحرة

لبنان بين باريس والصيغة والطلاق

لن يخرج الدخان الأبيض من الإجتماع الخماسي الذي يعقد في باريس من أجل متابعة الأزمة اللبنانية، فالكرادلة الغربيون والعرب المجتمعون بالعاصمة الفرنسية، لا يوجد بحوزتهم غير الوصفة الكويتية للحل، وليس على جدول أعمالهم اسما يعرضونه على اللبنانيين لعلهم يجمعون عليه من أجل سد الفراغ الرئاسي الذي بات استمراره يهدد شكل الكيان ومستقبله، فأزمة الاستحقاقات عالقة عند من يعيش حالة الإنكار ويرفض الاعتراف بأن هناك شيئا تغير، لذلك خرجت أصوات وازنة في الحياة السياسية باتت تجاهر بموقفها من الاستحقاقات، إذ أكدت أنها سوف ترفضها إذا ذهبت بإتجاه يشبه مرحلة سابقة 2016  تحت ذريعة الواقعية السياسية، ولكنها بالحقيقة واقعية مسلحة تناسب طرفا واحدا من اللبنانيين.

في مؤتمره الحزبي العام حاول رئيس حزب الكتائب، النائب سامي الجميل، تصويب الموقف، مستدركا أن هناك في الداخل من يريد اعادة تعويم الواقعية السابقة تحت ذريعة الاستقرار، وأيضا في الخارج وحتى ممن يجتمعون في باريس تحت ذريعة انشغالات دولية بملفات أخرى تهدد الأمن والاستقرار العالميين، لذلك حدد الجميل خيارات التسوية وليس المساومة، الطلاق وليس الاقتتال فقال: “قبل التعديل بالنظام السياسي علينا استعادة بلدنا وتحرير قراراتنا . لهذا السبب وانطلاقا من هنا ومن هذه اللحظة نقول إننا لسنا مستعدين للخضوع لإرادة حزب الله في لبنان وندعو كل اللبنانيين لتحمل مسؤولياتهم. ونقول لحزب الله نحن غير مستعدين للاستمرار بهذا الوضع، وإذا كان المطلوب الطلاق بين الجمهوريتين فليعلنها حزب الله”.

فعليا نجحت 17 تشرين في أدبياتها، وفي فضائها العام السياسي والثقافي والاجتماعي الذي شكلته، بدفع نخب حزبية وجماعاتية وطائفية إلى البحث بمواضيع  كانت تعتبرها من المسلمات أو المقدسات ودفعت ببعض القوى الحزبية حتى التأسيسية منها إلى مراجعة حتى ثوابتها الكيانية ما جعلها تتقاطع بشكل قريب من الاندماج مع 17 تشرين أو بشكل متقطع وقفا لمصالحها المشتركة مع الانتفاضة، ولكنه في الحالين اعتراف من هذه القوى بأن هناك متغيرا كبيرا يجب استدراكه ويقابله متحول آخر خطير يجب التنبه إليه لذلك في كلام الجميل، استدراكان الأول أن الصيغة ليست مقدسة، والثاني أن العيش المشترك لم يعد مقدسا أيضا.

في الأول أن هناك قابلية لبنانية عامة على مناقشة موضوعية لمستقبل النظام السياسي في لبنان يطرح فكرة إمكانية مناقشة الصيغة دون المس بالمناصفة، وهذا يعني مناقشة تطويرها الذي حصل في اتفاق الطائف الذي منع تطبيقه، ولكن الصيغة والطائف لا يمكن البحث في طبيعتهما  كنظام سياسي بظل موازين القوى الحالية، وبعبارة أخرى يمكن مناقشة النخب المسيحية حول الصيغة، ويمكن مناقشة النخب السنية حول الطائف، ولكن هل من الممكن القيام بنقاش وطني حول سلاح حزب الله، فإذا كان هذا السؤال مستحيلا فإن الاستدراك الثاني يصبح حلا عند جماعات وأحزاب وازنة بعيدا عن حجم وموازين القوة، فالعيش المشترك في الأزمة الحالية دفع هذه القوى للخلاص من الهيمنة إلى طرح فكرة العيش الواحد.

الجميع يعلم، خصوصا الكتائبيين بعد تجربة الحرب المريرة، أن تقسيم لبنان مستحيل، كما أن هيمنة طرف واحد على الدولة مستحيل أيضا، لذلك رمى الكرة بملعب الطرف الذي يرفض أن يتعلم من تجربة من سبقوه في حكم لبنان، لذلك أنهى الجميل كلامه عن الطلاق بهذه الجملة: ” لن نقبل أن نعيش كمواطنين درجة ثانية ولن نخضع، سنبقى هنا وسنواجه جميعا مع بعضنا بعضا”.

عود على بدء إلى باريس، حيث من الواضح أن جميع القوى اللبنانية المواقفة منها والمعترضة أمام شبه إجماع دولي على أن الحل للأزمة اللبنانية الحالية لم يعد حلا ترقيعيا على غرار الحلول السابقة، التي أدت للوصول إلى هذا المأزق الكبير سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، فإن جوهر اجتماع باريس وإن كانت هناك بعض التناقض في المقاربات، فقد أجمع المجتمعون في باريس على خارطة الطريق الكويتية التي باتت تحظى بمظلتين خليجية وعربية بعد انضمام القاهرة، وبتأييد أوروبي بسبب الرعاية الفرنسية، وغطاء ودولي نتيجة حضور واشنطن، وهذا ليس بالضرورة تموضوع سياسي، ولكن بعض الأطراف المستقوية تبرر رفضها له تحت ذريعة سياسة المحاور التي تتقنها.

المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها