جورج شاهين

السبت ١٩ آذار ٢٠٢٢ - 22:16

المصدر: المركزية

لقاء بعبدا الثلاثي: حد ادنى من التوافق على “رفض ناعم” لمقترحات واشنطن هل يقبل هوكشتاين بالتوسط بين اللبنانيين قبل إتمام مهمته مع اسرائيل

كان لا بد لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون من الدعوة الى اللقاء الرئاسي الذي عقد في بعبدا مع كل من رئيسي مجلس النواب نبيه بري والحكومة نجيب ميقاتي للبحث في الجواب اللبناني على اقتراحات الموفد الاميركي اموس هوكشتانين التي سلمها الى لبنان لترسيم الحدود البحرية في زيارته الاخيرة، بعدما ترجم طروحاته الشفهية “اسود على ابيض” كما طالبه عون قبل مغادرته بيروت في تقرير مفصل مرفق بالخرائط والخطوط المقترحة للترسيم بين البلدين في المنطقة الاقتصادية الخالصة المختلف عليها بين لبنان واسرائيل.
وتقول مصادر سياسية مطلعة على موقف رئيس الجمهورية لـ “المركزية” ما دام بري ومن يمثل حزب الله قرروا عدم المشاركة في اعمال اللجنة التي تدرس هذه المقترحات كان لا بد من قراءة أولية للنتائج التي توصلت اليها في حضور بري. فعون وميقاتي يشاركان بمن يمثلهما في اللجنة ولا بد من الوقوف على ملاحظات “الثنائي الشيعي” الغائب عنها للانتقال الى مرحلة لاحقة والغوص في صياغة الموقف اللبناني من هذه المقترحات تمهيدا لتسليمه الى من يعنيه الأمر.
تزامنا، ومنذ انتهاء الاجتماع وصدور البيان المختصر عن اللقاء، انصبت الجهود الديبلوماسية لاستكشاف الموقف اللبناني على حقيقته. فهو كان مطلوبا في مهلة أقصاها منتصف الشهر الجاري، أما وقد تجاوز لبنان هذه المهلة بأيام فلن يكون هناك اي إشكال لدى الجانب الاميركي. فالادارة الأميركية تدرك جيدا وقبل جميع اللبنانيين حقيقة المواقف اللبنانية المتناقضة من خطط الترسيم ومن اقتراحاتها تحديدا. وان ما طلبته ان يتم التوافق على الحد الادنى الذي يسمح “للوسيط المسهل” باستئناف مهمته وهو امر لا ينبىء به سوى التوصل الى موقف نهائي واضح وصريح وهو ما لم يتم التوصل اليه بعد.
وان توقفت مراجع ديبلوماسية مطلعة امام ما اوحى به البيان، قالت لـ “المركزية” ان العودة الى اتفاق الإطار شكل نقزة نوعية لدى من ينتظرون “موقفا جامعا” سواء بالقبول او بالرفض مع التأكيد مسبقا ان ذلك ما زال مستحيلا. فالمعطيات المتوفرة لا تفيد بإمكان الوصول الى هذه المرحلة بعد، وان المقاطعة الشيعية للجنة كانت من ابرز المؤشرات الدالة. ومن دون اي إنكار لحقيقة الانقسامات ، قرأت هذه المراجع في البيان سلسلة ملاحظات ابرزها:

  • ان طلب إحياء الدعوة الى الولايات المتحدة الاميركية للاستمرار في جهودها لاستكمال المفاوضات لترسيم الحدود البحرية شكل أول تعبير عن مخاوف لبنانية من صد أميركي. فالجانب الاميركي لم يعبر عن اي موقف يمكن ان يؤدي الى وقف وساطته وهذه الدعوة لا تكفي لطمأنته. ولا تنفي ان هناك ما يؤدي الى وجود ما يعوق وساطته. فقد سبق له ان شرح الاسباب الموجبة التي تستدعي استعجال اللبنانيين للخطوات التي تقفل هذا الملف ليتسنى له الافادة من استثمار ثرواته في المنطقة.
  • ان السعي الى اعادة احياء “اتفاق الاطار” الذي اعلن عنه في مطلع تشرين الأول قبل عامين يوحي بان لبنان ليس جاهزا لتقديم اجوبة واضحة يطالب بها الجانب الاميركي الذي خبر ان العودة الى طاولة المفاوضات غير المباشرة في الناقورة، لا تكفي من اجل التوصل الى اتفاق، ما لم يكن قد تبلغ مسبقا بموقف لبناني جديد ما زال مفقودا. ولكن ان فسرت الإشارة اليه على انه قبول لبناني بـ “الخط 23″، كما اشار اليه هذا الاتفاق يمكن ان يبرد الموقف الاميركي ويعطيه املا بامكان انطلاق مرحلة الدخول في التفاصيل، فهو لم يحمل جديدا فقد افصح رئيس الجمهورية عن موقف واضح عندما اعترف بالخط 23 واعتبر ان الخط 29 قد أملته ظروف المفاوضات ليس إلا.
    -ان الإشارة في البيان الى “ما يحفظ مصلحة لبنان العليا والاستقرار في المنطقة”، لا يعني شيئا بالنسبة الى الأميركيين فهم يعتقدون ان ما هو مطروح كاف للحفاظ على حقوق لبنان.
    وأمام هذه الملاحظات التي يمكن ان تنتهي اليها اي قراءة للبيان، يجدر التوقف عندما لم يأت على ذكره. فلبنان لا يمكنه اعطاء اي موقف نهائي قبل التثبت من مجموعة عناصر وهي:
    -ان الخط المتعرج لا يمكن التوصل اليه ما لم يكن ثابتا ما يوجد تحت الأرض من ثروات نفطية، وقبل التثبت من حجم وشكل الأحواض الموجودة في المنطقة المتنازع عليها.
  • ان لبنان لم يتأكد بعد إلا من “حقل قانا” وهو بشكله المقدر يتجاوز الخط 23 جنوبا الى البلوك رقم 72 وفق التصنيف الإسرائيلي لبلوكاته. وفي المقابل فإن “حقل كاريش” يتداخل مع الخط 23 ويمتد الى البلوكات اللبنانية.
    -وعليه فإن لبنان لا يمكنه القبول بـ “النتوءات البحرية” كما رسمها هوكشتاين وتعديل الخط المتعرج على اساسها، طالما انها لا تحتسب ولا تراعي سوى ما هو معلن بالنسبة الى هذين الحقلين.
    ولذلك، لا بد من الإشارة الى انه سيكون على لبنان إن تجاوب الوسيط الاميركي مع رغبته بالتريث قبل اعطائه موقفا نهائيا وواضحا ان يمد لبنان بالمسوحات الدقيقة التي تتناول باقي المناطق التي ستسلخ من الحصة اللبنانية، فالخط المتعرج المقترح من قبله يمس البلوكين 8 و9 في نقاط عدة ولا يعطي لبنان سوى حصته الثابتة بلا منة من قانا بتداخله مع البلوك الاسرائيلي المقابل.
    وختاما، تقول المراجع ان لبنان بموقفه الاخير ان بقي محصورا بمضمون “البيان الرئاسي” اعطى إشارة الى “رفض ناعم” لما هو متوفر من مقترحات هوكشتاين بالحد الأدنى الذي يضمن التوافق الداخلي. وهو يلقي المسؤولية على الجانب الاميركي ليقدم له التفاصيل الاخرى المطلوبة والايضاحات التي يمكن ان تساعد اللبنانيين على تجاوز خلافاتهم الداخلية. وإن عاد هوكشتاين الى بيروت بعد ان يتسلم الرد اللبناني مكتوبا، فهل سيقبل بأن يكون وسيطا بين اللبنانيين قبل إتمام مهمته بين لبنان واسرائيل.

المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها