جورج شاهين

الثلاثاء ٢٤ أيار ٢٠٢٢ - 08:22

المصدر: الجمهورية

لماذا طلب نصرالله مهلة العامين للبحث في مصير السلاح؟

باستثناء بعض التوقعات التي أطلقت عشيّة عيد رأس السنة لم يتحدث أحد عن قرارات استثنائية سيُفاجئ بها الأمين العام لـ”ح-ز-ب ا-ل-ل-ه” السيد حسن نصرلله اللبنانيين. كان ذلك قبل ان يتمنّى قبل ايام قليلة “تأجيل قضية سلاح المقاومة لعامين إضافيين لأنه ليس قضية داهمة…”. وعدا عن ذلك لم يظهر انّ هناك اي تغيير في استراتيجيته المعتمدة، من مصير مئات الآلاف من المقاتلين والصواريخ الذكية. وعليه، ما الدافع الى هذا التمني؟
في الوقت الذي كانت معظم القيادات السياسية والحزبية تُحصي مقاعدها وتجمع كتلها النيابية وتسعى الى استقطاب “ركاب اللوائح” الانتخابية الذين رافقوها الى صناديق الاقتراع لضمّهم الى تكتلاتها الموسّعة، كان السيد نصرالله في العشرين من الجاري يُجري قراءة لدور الحزب وما أنجزه. وبعدما أشار الى مساهمة المقاومة “في حماية الدولة اللبنانيّة أمنياً وفي مواجهة الشبكات الإسرائيلية”، وعلى وَقع أسئلته عن مدى “تملّك الدولة اللبنانيّة القدرة والرؤيّة والشجاعة لحماية لبنان منها”، وَجّه دعوة غير مسبوقة في شكلها ومضمونها منذ تأسيس الحزب 1982 تمنى فيها “تأجيل البحث في قضية سلاح المقاومة لعامين إضافيين لأنه ليس قضية داهمة وقد تعايَشتم معه منذ الـ 2005″، بعدما عبّر عن اعتقاده في أن “هناك تحديات داهمة كالخبز والكهرباء والدولار فلنذهب إلى حلها…”.
وفي الوقت الذي آثرت قيادات “ح-ز-ب ا-ل-ل-ه” الصمت تجاه هذه الدعوة في شكلها وتوقيتها وما قصده منها، غابت في المقابل ردات الفعل تجاهها ولم يتوقف عندها اي من أطراف النزاع الداخلية في ظل انشغالهم بترتيب البيوت الداخلية عقب الانتخابات النيابية وتجميع القوى عشيّة المواجهة المنتظرة في أول استحقاق دستوري نيابي مطروح على المجلس النيابي الجديد، والمُتمثّل بانتخاب رئيس له ونائبه وأعضاء هيئة مكتب المجلس ورؤساء اللجان النيابية ومقرريها. والتجاذبات التي تؤثر في مجرى هذا الاستحقاق قد تكون الاولى من نوعها منذ ست ولايات متتالية تربّع خلالها رئيس المجلس نبيه بري على رأس المؤسسة التشريعية بلا منازع ما عدا التفاوت بنسبة الأصوات التي نالها بين دورة وأخرى لم تقلّ يوماً عن ثلثي أعضاء المجلس.
وبناء على ما تقدم من هذه المؤشرات فقد سَعت مراجع سياسية وديبلوماسية الى قراءة الظروف التي أملت على السيد نصرالله مثل هذا الموقف، وتوسّعت في الحديث عن مجموعة سيناريوهات، منها ما هو مرتبط بما هو آنِيّ من جهة وما يمكن الإشارة إليه على المَديين المتوسط والبعيد.
على المستوى الآني، فقد فضلت مرجعيات سياسية وديبلوماسية ان تعطي دعوة نصرالله تفسيرات محدودة بمفاعيل مؤقتة، فالترددات المتسارعة التي تركتها الانتخابات النيابية وفقدان الحزب وحلفائه الاكثرية في المجلس الجديد فرضت عليه مَد اليد سريعاً لتطويق ما يمكن ان تقود اليه أجواء التشنّج والتحدي مُبرزاً “الوجه السموح” له، وقدرته على تحمل أعباء المرحلة أيّاً كانت الصعوبات التي تواجهه ولو من دون ايّ من الحلفاء. بعدما اعتقد كثر انها اكثرية صامدة ومضمونة ولا يمكن لأحد ان يتلاعب بها من بعده. وهو امر عبّر عنه، ولَو بعبارات مختلفة قبله بساعات قليلة، رئيس حركة “أمل” الرئيس نبيه بري الذي يستعد لتجديد ولايته الرئاسية للسلطة التشريعية مرشّحاً وحيداً للحركة وبالإنابة عن التمثيل الشيعي الذي تحتكره ثنائية “الحزب” و”الحركة”. وما زاد من اقتناع أصحاب هذا التوصيف وعدم اعطاء “مهلة العامين” اكثر ممّا تستحق، انه لا بد من التراجع عنها ونسيانها بفضل ما سيكون مطروحاً من آليات تستغرق أوقاتاً غير محددة عند بلوغ مرحلة توليد “الاستراتيجية الدفاعية” الفشل المتجدد كما في السابق، في ظل فقدان اي أمل في البَت بتصوّر موحّد لها يوفّر “براءة الذمة” المطلوبة برغبة جامحة لهذا السلاح وتكسبه شرعية ما تُضاف الى تلك التي يعطيها البيان الوزاري التقليدي الذي تعددت نسخه بعد تشكيل الحكومات من دون أي عناء. فحتى الامس القريب اقتصرت ردات الفعل الرافضة هذا المنطق على تسجيل تحفظ وزيرين او ثلاثة عن مضمون ثلاثية “الجيش والشعب والمقاومة”. وهي المعادلة التي تحولت ثوابت أيّ بيان وزاري قبل ان ينقل سريعاً الى رَف الانتظار يَعلوه الغبار طوال ولاية اي حكومة منذ ان أقرّت هذه الصيغة بعد اتفاق الدوحة عام 2008 وهي ما زالت معتمدة حتى الامس القريب.
اما على المَديين المتوسط والبعيد، فقد تعددت السيناريوهات لفهم المهلة الجديدة، ولا يجمع فيما بينها سوى الابتعاد عن التفسيرات الداخلية لها، فهذه المهلة قد يكون لها علاقة بما يتوقعه السيد نصرالله من تطورات اقليمية ودولية تُبعد التفسيرات المبسطة لها، وتربطها بما هو مُرتقب من تفاهمات كبيرة تمتد من البحث الجاري في فيينا حول الملف النووي الايراني والصواريخ البالستية وسبل مواجهة تمدد ايران خارج حدودها ولجمها، وإنهاء كل اشكال تدخلاتها في دول عدة ابتعدت كثيرا بمئات آلاف الكيلومترات عن حدودها الاقليمية ونطاق أمنها القومي لمجرّد أن تتناول ما يجري في اليمن ودول جوارها كما لبنان ودول أخرى في نطاق قد يمتد الى دول اميركا اللاتينية ومناطق مختلفة في العالم.
ولذلك فقد قرأت هذه المراجع في المهلة المطلوبة إشعاراً مسبقاً من السيد نصرالله بما يمكن ان تنتهي إليه التفاهمات القليمية، فلا تقف الأمور عند مصير الملف النووي الايراني الى ما يمكن ان تنتهي اليه المفاوضات السعودية – الايرانية المباشرة التي توالت فصولها حتى اللقاء الخامس في ما بينهما الشهر الماضي في بغداد. كما بالنسبة الى تلك المفاوضات السرية الجارية في اكثر من دولة وخصوصاً في مسقط عاصمة سلطنة عمان التي استقبلت الرئيس الايراني ابراهيم رئيسي في الساعات القليلة الماضية في زيارة لافتة للمنطقة أعطيت الكثير من الاهمية بالنظر الى حجم الاتفاقات التي أبرمت قبل ان تنتقل مفاوضات بلاده مع المملكة من المستوى الامني الى المستوى الديبلوماسي تمهيداً لترميم وإحياء العلاقات الديبلوماسية بينهما.
وبناء على ما تقدم، يبدو انّ المراقبين المتابعين لأدق التفاصيل قد فشلوا في استقصاء الأسباب الحقيقية التي دفعت نصرالله الى طلب “مهلة العامين” واكتفت بالقول انها “فرصة نادرة” وقد تكون الاولى والاخيرة في ظل الستاتيكو القائم، كما قال احد المطلعين على أجواء الحزب وخلفيات هذا الموقف. فالظروف لا تسمح بتجاهلها وانّ الدعوة الأهمّ هي لإعطاء الأولوية لـ”التحذير من انّ البلد لا يملك ترف الوقت”. وهو أمر “يتطلّب حركة طوارئ في البرلمان وعملية تشكيل الحكومة” قبل البحث في أي خطوات وملفات اخرى، والى “ما بعد هاتين المحطتين يخلق الله ما لا تعلمون”.

المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها