جورج شاهين

الخميس ٦ كانون الثاني ٢٠٢٢ - 13:23

المصدر: الجمهورية

لماذا نشرت إسرائيل الصواريخ على أراضيها؟

في اليوم الاول من السنة الجديدة نشر موقع اسرائيلي عبري خبراً عن نشر منظومة «القبة الحديد» في أرجاء فلسطين المحتلة، بعد التصعيد مع غزة حول ملف الأسرى الفلسطينيين، فيما أعلنت «سرايا القدس» الاستنفار والجهوزية تزامناً مع إخلاء مواقعها. وفيما لم يُعر العالم هذا الخبر أي اهمية، تحدث تقرير ديبلوماسي عن قراءة أخرى للتطورات رابطاً ما جرى بقضايا مختلفة مطروحة على طاولات عدة ومنها فيينا. فماذا قال؟

قبل ان تطوي السنة المنصرمة أيامها الاخيرة كانت كل الانظار متجهة الى ما يمكن ان تؤدي اليه الاتصالات الجارية على أكثر من مستوى بعد تعليق الجولة السابعة من مفاوضات فيينا في شأن الملف النووي الايراني الخميس الماضي. فقد جاءت الخطوة في توقيت أوحَت فيه المواقف المتناقضة ان هذه الجولة معلقة على سيل من التكهنات نتيجة رفعها من دون التفاهم على موعدها. فقد كان التباعد واضحا وعميقا بين مواقف أطراف الطاولة الى درجة يصعب من خلالها التوقّع بموعد استئنافها.

وعليه، أشار تقرير ديبلوماسي تناول هذه المحطة من المفاوضات الشاقة الى حجم الشروط الإيرانية التي وضعت طهران في موقع حرج تجاه المتعاطفين معها قبل خصومها الاميركيين والاوروبيين من مجموعة الدول الـ (5+1). ورد ذلك الى تفاؤل قادتها ورغبتهم في إمكان تحقيق ما يريدونه من فك متدرج واستباقي للعقوبات الاميركية المفروضة عليها ومعها الدول الصديقة والحليفة قبل ان تقدم على اي خطوة «حسن نية» تؤدي الى تخفيف هذه الشروط كأن تعطي من اوراقها التي تمتلكها في ساحات اخرى تشهد مواجهات مع خصومها خارج الاراضي الايرانية كما في اليمن او لبنان وسوريا على سبيل المثال.

وإزاء هذه المعوقات الكبيرة التي ألقت بظلالها السلبية على أجواء المفاوضات وما لها من انعكاسات على اكثر ساحات المنطقة والعالم، توجهت الانظار الى ما سمي الوساطة الصينية – الروسية التي انطلقت من قاعدة تدعو طهران الى التواضع في طروحاتها وعدم تفويت الفرصة المتاحة امامها. وما ان ثبت انّ هذه الوساطة قد شقت طريقها بسرعة، لمجرد انعقاد الجلسة الثامنة الاثنين الماضي بعد ثلاثة أيام على تعليق سابقتها، حتى تبين لاحقاً انّ الشريكين الصيني والروسي لامسا في طروحاتهما الجديدة ما كان الأوروبيون قد طرحوه على الايرانيين ولم يعيروه ما يستحق من اهمية.


ومن هذه النقطة بالذات، ألقى التقرير الديبلوماسي الضوء على ما يجري في مناطق اخرى من العالم وتطرق الى التدابير الاسرائيلية التي تحدثت عن نشر منظومة «القبة الحديد» في انحاء مختلفة من الاراضي الفلسطينية المحتلة فربطها بالتعقيدات التي رافقت المفاوضات حول الملف النووي الايراني وقلّل من اهمية ربطها بالتصعيد الذي تسببت به الصواريخ الفلسطينية التي انطلقت من غزة في اتجاه البحر قبالة تل أبيب. كذلك رفضت ايضاً الربط بين هذه الخطوة وبين التدابير الفلسطينية التي اتخذتها «سرايا القدس» التابعة لحركة «حماس» في القطاع بعدما أعلنت حال الاستنفار والجهوزية اثر تدهور الحالة الصحية للأسير هشام أبو هواش ودخوله في غيبوبة بعد 140 يوما على اعلانه الاضراب عن الطعام.

ومَرد هذا الرفض – اشار التقرير – الى معلومات إضافية أكثر صدقية كانت تتحدث عن وساطة مصرية لإنهاء حال التشنج المفاجئة بين اسرائيل والفصائل الفلسطينية تتناول موضوع الاسرى وتدابير أخرى تتصل بالحركة على المعابر التي تربط قطاع غزة بالأراضي الاسرائيلية وكان لا بد من ان تنجح. ولذلك قال التقرير ان التدابير الاسرائيلية كانت تحاكي اجواء التصعيد المتوقعة من جنوب لبنان او القطاع كنتيجة حتمية لأي ضربة اسرائيلية للمفاعلات النووية الايرانية بعدما لمحت الادارة الاميركية الى احتمال اللجوء الى تدابير اخرى قد تضطر الى اتخاذها ان لم يتم التوصل الى تفاهم على طاولة فيينا.


ولم يتجاهل التقرير الاشارة الى الحملة الاعلامية التي قادتها تل أبيب في شأن استعداداتها لضرب المنشآت النووية الإيرانية رغم معرفة واضعيه بأنّ واشنطن لن تسمح بمثل هذه الضربة اليوم. فهي لم تُخف يوماً قرارها الذي أبلغته الى الحكومة الاسرائيلية بعدم التدخل في هذا الملف بعد ان تركت لها حرية الحركة في مجالها الاقرب للحفاظ على أمنها القومي من المخاطر التي يمكن ان تستهدفها سواء من الاراضي السورية او اللبنانية او قطاع غزة.

وعلى هذه الخلفيات فقد شكّل نجاح المبادرة المصرية في اعطاء هذه القراءة صدقية اعلى من تلك التي ربطت ما جرى بالوضع الداخلي الإسرائيلي مع قطاع غزة، وجاء قرار الإفراج عن الأسير الفلسطيني أبو هواش في 26 شباط المقبل ليثبت نجاح المبادرة المصرية التي أبعدت المخاوف من امكان تجدد الحرب بين القطاع ومحيطه الاسرائيلي. وهو ما أكده وكلاء الدفاع عن أبو هواش الذي وافق على عقد الصفقة بتوقفه عن الإضراب بقولهم «ان ما جرى شكّل ثمرة تضافر صمود أبو هواش إضافة الى جهود شعبية وقانونية وسياسية فلسطينية ـ مصرية».

وانطلاقاً مما تقدم، قال التقرير الديبلوماسي انّ اسرائيل التي دأبت منذ عام ونيف تقريباً على اجراء كل اشكال المناورات التي تحاكي حرباً مع لبنان نتيجة وجود «حزب الله» وانتشاره على الحدود الشمالية لم تكن تنتظر أسباباً لأي حرب محتملة مصدرها الاراضي اللبنانية. لا بل فهي احتسبت بمختلف مناوراتها وتدابيرها الاخيرة ما يمكن ان تقود اليه اي مواجهة اسرائيلية – ايرانية مباشرة وخصوصا ان كان مسرحها الاراضي الايرانية، لا السورية ولا اللبنانية. وهو امر ثابت بكل القراءات والتوقعات المخابراتية والديبلوماسية المحلية والدولية التي لا تتوقع ان تكون الاراضي اللبنانية منطلقاً لأي شرارة حرب في المنطقة، فكل الضمانات المتوافرة تبعد هذا السيناريو. ولمن لا يصدق ذلك ما عليه سوى العودة الى تجربة السادس من آب الماضي عندما تبادلت اسرائيل و»حزب الله» القصف على «اراض خاوية» و»غير مأهولة» نتيجة التوتر الذي تسببت به صواريخ شويا التي رافقت إشكالات على الحدود الجنوبية. والى من يتوقع ان تكون الاراضي السورية منطلقاً لشرارة حرب اخرى فما عليه سوى العودة الى مسلسل العمليات التي تستهدف مواقع ايرانية وأخرى لـ»حزب الله» في الداخل السوري وصولاً الى الغارات التي استهدفت ميناء اللاذقية من دون ان يكون لها أي رد فعل على الساحة الاسرائيلية الداخلية.

على ان التقرير الديبلوماسي الذي فنّد السيناريوهات التي تُحاكي أي حرب في المنطقة استبعد وجود أي قرار بهذا المعنى في الوقت الراهن، رغم حجم الضغوط التي تقع تحتها المنطقة، فالاستراتيجية الأميركية تستبعد الخيارات العسكرية الكبرى لمصلحة «التكتكة» المعتمدة إلى ان تفضي مفاوضات فيينا الى اهدافها للتفرّغ لاحقاً لما تسميه الإنتشار الايراني خارج اراضيها الجغرافية، وهذه لها مقومات اخرى لها مواعيدها المحددة لكنها لا تستبق اي تفاهم يمكن ان تصل اليه مفاوضات فيينا.

المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها