فرح منصور

الجمعة ٤ آب ٢٠٢٣ - 14:32

المصدر: المدن

ليليان شعيتو أتلف انفجار المرفأ دماغها: مشت ونطقت “ماما..”

بصوت خافت، نطقت شفاه ليليان شعيتو (29 عاماً) كلمة “ماما”، كررتها مرةً ثانية وثالثة ورابعة، علّها بذلك تستعيد قدرتها على النطق والكلام. تلتقط بعض الألعاب الملونة الصلبة، وتضعها فوق بعضها البعض، تشُدّ عليها بأصابعها بكل ما أوتيت من قوّة، ثم تمسك بأيادي عائلتها، التي لم تواكبها لحظة فلحظة، بعدما انقلبت حياتها فجأةً، في الرابع من آب.

العودة من الموت
في عام 2020، يوم الثلاثاء 4 آب، كانت ليليان تتجول في أسواق بيروت، دخلت إلى متجر ADIDAS، المختص ببيع الألبسة والأحذية الرياضية، تنقلت بين رفوفه وهي تحاول أن تنتقي هدية مناسبة لزوجها في عيد ميلاده الذي كان من المفترض أن يحتفلا به في العاشر من آب.
السادسة مساءً، دقائق قليلة، وفُجّرت العاصمة، سقطت السماء على بيروت، غضب الهواء من السكان، نفخ فيهم فتتطايروا. احترقوا، نزفوا، وابتلعهم البحر بعد أن غرقوا فيه. لحظات قصيرة كانت كفيلة بتحويل ست الدنيا إلى مقبرة للأموات، تفوح منها رائحة الدماء وتنتشر على أرضها الأشلاء. أما ليليان، ففقدت وعيها ودخلت في غيبوبةٍ لم تستفق منها إلا بعد 18 يوماً.

ارتطم رأسها بالأرض، وربما تساقطت عليه واجهات المتجر الزجاجية، فتُلف دماغها، واستيقظت من غيبوبتها، لتكتشف بأنها عاجزة عن المشي، وقد خسرت أهم حواسها، النطق. أكثر من 7 عمليات جراحية أجريت لها في بيروت، قبل أن تنتقل إلى تركيا، لتتابع مسار علاجها الطويل، علّها تتمكن من الكلام مرة أخرى فتعود لحياتها السابقة، لتعانق طفلها الصغير “علي”، الذي لم يتجاوز عمره الأشهر القليلة آنذاك.

بإرادة صلبة، تبدّلت حالتها الصحية والنفسية، تجاوب جسدها مع علاجها اليومي، وبعد 3 سنوات على تفجير المرفأ، تمكنت ليليان من رفع بعض الأجسام الصلبة الصغيرة، واستطاعت بجهود عائلتها والخبراء والمختصين في تركيا، من الوقوف على أقدامها. وبخطوات خجولة تمكنت من الوقوف على الأرض، حيث تخلل علاجها تركيب بعض الأجهزة على جسدها لمساعدتها في إنجاز هذه الخطوات، وصارت قادرة على تناول طعامها وحدها، وعلى تكرار بعض الكلمات القصيرة: “ماما.. بابا.. نوال..”.

حتى الساعة، لم تتمكن بعد من ترتيب الجمل وتركيب الكلمات للنطق بها. هذا وقد أكد الخبراء لعائلتها بأن مسار علاجها سيحتاج إلى أكثر من عام ونصف العام بعد. خلال هذه المدة، ستنتقل ليليان من مرحلة إلى مرحلة، وسيكون تجاوبها مع العلاج ملحوظاً.

عملياً، أكد المختصون في تركيا بأنهم بحاجة لأن تستعيد ليليان قدرتها الكاملة على الكلام، كي يتأكدوا إن كانت قادرة على استعادة تفاصيل ما حدث معها في الرابع من آب أم لا.

مسار طويل
ليليان هي قصة واحدة من قصص المتضررات من تفجير الرابع من آب، حين تحولت حياتهن إلى جحيم. نيترات الأمونيوم جعلت ليليان عاجزة عن العودة إلى حياتها السابقة، وحرمتها من معانقة طفلها الصغير والاهتمام به، لأنها ببساطة، بحاجة اليوم إلى أشهر طويلة من المتابعة الصحية اليومية كي تستعيد عافيتها فتقف على قدميها مرة أخرى.

أمام هذه الفاجعة، ما نرجوه أن لا تتحول قضية الرابع من آب إلى ذكرى سنوية، بل من البديهي القول بأننا بحاجة إلى أن تسلك الحقيقة مسارها الصحيح لإحقاق العدالة، ليُعرف قاتل أبناء العاصمة، ومُفجّر مرفأ بيروت، والمتورط بإدخال نيترات الأمونيوم إلى المرفأ.

الجراح لم تلتئم، الندوب مغروزة ومحفورة في أجساد المتضررين الذين يتعايشون مع أنصاف أجسادهم، بعدما أجبروا على بتر بعض الأعضاء الأساسية. الخوف من أصوات المفرقعات والأصوات المرتفعة مستمر، سيلاحقهم في أحلامهم، ويحولها إلى كوابيس، فيما ستبقى المنظومة الحاكمة في موقعها الثابت، لتضع العراقيل وتطرح التسويات، وتستمر في تلميع صورتها أمام الرأي العام. لكنها، مهما حاولت أن تغسل الدماء المتلطخة على أياديها، ستبقى رائحة الأشلاء تفوح منها. وستبقى عبارة أهالي الضحايا في صباح كل يوم: “دولتي فعلت هذا”.

المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها