فرح منصور

السبت ٣٠ كانون الأول ٢٠٢٣ - 08:46

المصدر: المدن

مرضى السرطان يعتصمون: نقص الأدوية وتقليص الدعم.. حتى الموت

تسيطر حالة من القلق على مرضى السرطان في لبنان، في ظل عدم قدرة الدولة اللبنانية على تأمين التمويل الكافي لدعم كافة أدويتهم الشهرية. فأزمة فقدان الدواء لم تُحل بعد. بعض الأدوية غير متوفر بشكل نهائي في لبنان، ويلجأ المريض إلى طلبها من الخارج. أما تلك المدعومة من وزارة الصحة فليست متوفرة بكاملها. أما الأدوية غير المدعومة فيتوفر بعضها في السوق، ولكن أسعارها باهظة جدًا، وتتجاوز الستة آلاف دولار أميركي.

وقفة احتجاجيّة
تحت عنوان “عطونا الأدوية”، نظمت جمعية بربارة نصار وقفة احتجاجيّة اليوم الجمعة 29 كانون الأول، لمطالبة الدولة اللبنانية بدعم كافة أدوية السرطان وتأمينها بشكل كامل، وفرض الضرائب على الكحول والتبغ كمصدر لتمويل الدعم. فتجمع عشرات المرضى أمام السراي الحكومي، رافعين شعارات متعددة، أبرزها “نريد العيش والموت بكرامة، نريد الأدوية، لا نريد الموت..”.

بات معروفًا أن لبنان يحتل المراتب الأولى بين دول غرب آسيا في عدد الإصابات بمرضى السرطان، وفقًا لتقرير رسمي صدر العام 2018 عن منظمة الصحة العالمية، ولأسباب كثيرة ذكرتها “المدن” في تقارير سابقة. إلا أن المشكلة اليوم أن “عدّاد” الموت يرتفع بشكل كبير، لأن المرضى يعانون من أزمتين؛ الأولى هي عدم توفر بعض أدويتهم في لبنان، أو رفع الدعم عنها، والثانية تتمثل بعدم قدرتهم على شراء الأدوية من الخارج (في حال توفرت) لأن أسعارها مرتفعة جدًا.

في الأرقام الرسمية، وحسب الطبيب المتخصص في مرض السرطان، فادي نصر، فإن عدد مرضى السرطان في لبنان يبلغ 30 ألفاً. ويُصاب بشكل سنوي ما بين 12 ألفاً و18 ألفاً. أما المأساة فهي أن عدد الوفيات خلال العام 2023 تراوح بين 10 آلاف و12 ألفاً. ووفقًا لدراسة من وزارة الصحة، فإن عدد مرضى السرطان ارتفع بنسبة 105 بالمئة مقارنة بالأعوام السابقة.

هذه الأرقام المرعبة كانت كفيلة بإدخال العدد الأكبر من المرضى في دوامة القلق والخوف من الموت، خصوصًا بعدما فقدت جمعية بربارة نصار، أربع نساء (أعضاء في الجمعية) خلال العام 2023 فقط، بسبب توقفهن عن العلاج. ما يعني أن خطورة مرض السرطان ليست بانتشار الخلايا السرطانية في جسم المريض وحسب، بل في عدم قدرة المريض على متابعة علاجه في الوقت المحدد.

المرحلة المقبلة
تعود أزمة فقدان أدوية مرضى السرطان لأسباب متنوعة، وأهمها أن وزارة الصحة لم تعد قادرة على تأمين 30 مليون دولار شهرياً لدعم أدوية السرطان. بل باتت قادرة على دعم الأدوية بمبلغ 5 ملايين دولار شهريًا فقط. أما الإشكالية هنا، فهي أن مرضى السرطان بحاجة إلى أكثر من 300 مليون دولار بشكل شهري لدعم كامل أدويتهم وتوفيرها في السوق لتغطية احتياجاتهم. وخلال الأشهر المقبلة ستعتمد وزارة الصحة “بروتوكالات الدول الأكثر فقرًا”، أي أنها ستدعم أدوية للسرطان من الهند، وستوفرها في السوق. معنى هذا الكلام، أن الأدوية التي دعمتها وزارة الصحة سابقًا من مختلف البلدان الأوروبية، ستستبدل بأدوية هندية الصنع.

لذلك، رفع المرضى صرختهم اليوم، مطالبين بوضع خطط واضحة لتمويل أدوية مرضى السرطان بشكل دائم، من خلال فرض الضرائب على التدخين والكحول (على اعتبار أنهما يتسببان بمرض السرطان). وهنا شرح الدكتور فادي نصر في حديثه لـ”المدن” بأن توقف العلاج سيشكل خطرًا مباشرًا على حياة مرضى السرطان، ومن الضروري وضع خطة سريعة لمعالجة هذه الازمة. فهناك العديد من الأدوية التي فقدت من السوق لأشهر طويلة ولم تكن مدعومة، وعجز المرضى عن تأمينها من الخارج. فتفاقم وضعهم الصحي وأدى إلى وفاتهم.

بدوره، أكد رئيس جمعية بربارة نصار، هاني نصار في حديثه لـ”المدن” بأن خوف المرضى اليوم أن تكون الأدوية الهندية غير فعالة، خصوصًا أن بعض المرضى أفادوا بأنها لم تكن فعالة خلال فترة علاجهم، علمًا أن البحوث الطبية لم تطبق على معظم هذه الأدوية للتأكد من فعاليتها، ومدى تأثيرها الإيجابي على المريض. وبالتالي، من الممكن أن تسبب أعراضًا جانبية للمرضى، وأن تؤثر سلبًا على علاج المريض. مؤكدًا بأن بعض مريضات السرطان خسرن حياتهم خلال العام 2023 بسبب التوقف عن علاجهن.

في السياق نفسه، أكد الدكتور جان الشيخ، المتخصص في سرطان الدم، في حديث خاص لـ”المدن”، أن الأزمة التي يعاني منها مرضى السرطان هي ارتفاع أسعار الأدوية التي لم تدعمها وزارة الصحة، لافتًا إلى أنه ما من مشكلة في دعم وزارة الصحة للأدوية الهندية، ولكنه شدد على ضرورة إجراء بعض الفحوص المخبرية على هذه الأدوية قبل استخدامها، للتأكد من فعاليتها ومن جودتها، وإذا كانت ستسبب بعض الأعراض الجانبية للمرضى. علمًا أن الدولة اللبنانية تمتلك أحد المراكز المخبرية القادر على إجراء هذه الفحوص. ولكنه مقفلًا وبحاجة إلى إعادة تشغيل ولصيانة محددة، ليتم استخدامه بشكل متطور وعلمي.

وفي حديثها مع “المدن”، أكدت السيدة جانيا قاروط قزح، المصابة بسرطان الغدد اللمفاوية المزمن، بأنها توقفت عن علاجها عدة مرات خلال السنوات الماضية. إذ تحتاج إلى 7 آلاف دولار شهريًا من أجل تأمين الأدوية والحقن اللازمة، ولكنها عاجزة عن شراء أدويتها، فتوقفت عن متابعة علاجها. الأمر الذي فاقم حالتها الصحية وبات يهدد حياتها بشكل مباشر.

من جهتها أوضحت وزارة الصحة بأنها متضامنة مع مرضى السرطان، وهذه المشكلة هي نتيجة “حصول نقص في عدد من أصناف الأدوية نظرًا لتقلص الكميات التي تسلمتها وزارة الصحة بسبب نقص الاعتمادات”، مؤكدةً أنها تعمل على إقرار المقترحات اللازمة لفتح الاعتمادات وتأمين التمويل اللازم للأدوية، كما لفتت إلى أن وزير الصحة في حكومة تصريف الأعمال، فراس الأبيض، يحاول إيجاد الحلول الدائمة لمعالجة هذه الأزمة.

المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها